أخيراً وليس آخراً ها هي إسرائيل تُكمل حركة الضم والقرض للأراضي الفلسطينية المُحتلة منذ عام 1967 بعد أن تمّ نقل السفارة الأميركية إلى القدس (بقرار من ترامب) وخفض المساعدات الأميركية للفلسطينيين، وإغلاق مكتب السلطة في واشنطن جاءت وثيقة الجولان بين نتنياهو والرئيس الأميركي لتتوّج اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على كل الجولان السوري العربي.
تبادل مقاولات الرئيس المقاول وبين رئيس حكومة إسرائيل الفاسد: مساعدة هذا الأخير في الانتخابات الإسرائيلية (تُشير الاستطلاعات الأخيرة إلى تراجع شعبيته). على أن يعمل نتنياهو في المقابل دعم اليهود الأميركيين لترامب في الانتخابات المُقبلة، مصالح تجارية على مسألة كبرى كالجولان والقدس. كأن ذلك غيضاً من فيض... أو حتى أول الغيث. لأن لتلك الخطوات المتتابعة المنهجية بحق الفلسطينيين والسلطة والأرض السورية في الجولان قد تؤدي في المستقبل القريب أو البعيد إلى ضم الضفة الغربية أو أجزاء منها لإلغاء أي أمل في احتمال حل الدولتين: إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة.
إنها شراسة العدو الإسرائيلي واستراتيجياته التوراتية لإقامة إسرائيل الكبرى أو ما يماثلها هنا وهناك لتكون القدس العاصمة الأبدية لإسرائيل.
لكن السؤال لماذا تعتبر إسرائيل أن القدس جزءٌ من حق اليهود؟ فكأنها تعتبر أنهم هم من صنعوا مدينة القدس. لكن بعض الفلاسفة والمؤرّخين الإسرائيليين ينفون أنفسهم هذا الإدّعاء، ويَرون أن الشعب اليهودي وُجد قبل ثلاثة آلاف سنة، في حين أن القدس موجودة بحدودها وشعوبها وحضارتها منذ خمسة آلاف سنة. أي بفارق ألفي سنة!
ونظنُّ أن هذا الزعم جزء من الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل، والتي تُشرعن حقها لكل فلسطيني، بل وكُبراها من النهر إلى البحر... خصوصاً وأن ما جاء في التوراة من روايات وشخصيات وأحداث (كالطوفان) مأخوذ من حضارة ما بين النهرين. أكثر: يرى المؤرخون الإسرائيليون الجدد أنه حتى فكرة التوحيد عند اليهود مأخوذةٌ من الفراعنة «أخناتون» الإله الواحد لهم.
المجال ضيّق لتناول مثل هذه المسائل، لكن ما يخيف بعد احتمال ضم الضفة الغربية أن يصبح حل الدولتين حلاً دائماً بدويلة هي غزة، كبديلٍ من الحق الفلسطيني في كل أرض. ويعني أن القدس هوّدتْ تمهيداً دينياً (إلغاء الحضور الإسلامي والمسيحي) وسياسياً وجغرافياً. لكن أي سيناريو ممكن للوصول إلى هذه النقطة المفصلية في الصراع العربي الإسرائيلي الذي يربط بين خيوط نقل السفارة الأميركية إلى القدس (وطبعاً ضم الجولان)، ثم إلى الضفة الغربية؟
هل هناك تناغمٌ بين حماس (تموّلها إيران وإحدى الدول العربية) وبين إسرائيل.
وأن مسرحية الصواريخ المجهولة المطلقة مؤخراً من غزة ثم حل التهدئة ورسم الحدود البحرية لغزة والسماح لـ"حماس" بتلقيها أموالا من قطر. هل تُرى تُخفي اتفاقات سرية لإقامة دويلة فلسطينية تحت سيطرة "حماس"، وكأنها حل بديل من حقوق الشعب الفلسطيني كله. فالقضاء على مشروع الدولتين والتعويض عنه بكيانٍ فلسطينيٍ جزئيٍ غير مستقل وغير قابل للحياة في غزة يعني أن الذين قسّموا السلطة وحرّضوا على تقسيمها إلى دولتين (إيران والأسد) في الماضي ها هم يقدمون هدية ولا أثمن لإسرائيل. بل أكثر: قد يفتح ذلك شهية العدو بعد ضم الضفة أو شرذمتها وإرسال دويلة "حماس"، إلى استنهاض مشروعها الكبير بمد يدها إلى لبنان مثلاً (أصلاً ها هي إسرائيل تقرصن مناطق الغاز اللبنانية باعتبارها جزءاً من حدودها) إلى سواه بعدما فشل المشروع الإيراني (ذو الاستلهام الصهيوني) بإقامة هلاله وامبراطوريته المذهبية والفارسية. على العرب جميعاً، أن يعمدوا إلى تحركاتٍ على مختلف الصعد، لإفشال المشروع الإسرائيلي لتهويد المنطقة، والمشروع الإيراني لفرسنتها أمام أعين المجتمع الدولي العاجز إلا عن إصدار قراراتٍ أقرب إلى دخول الفيل من خرم الإبرة من تحقيقها.