تعرّض «حزب العدالة والتنمية» التركي الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان لخسارة في الانتخابات المحلية في العديد من المدن التركية الكبرى، وعلى رأسها أنقرة واسطنبول وأزمير، فيما يعد أقوى ضربة يتعرّض لها الحزب على مدى 16 عاماً الماضية، حيث تقدمت عليه المعارضة في هذه المدن.
وقد صرح علي يلدريم، مرشح «حزب العدالة والتنمية» في الانتخابات البلدية لمدينة اسطنبول، بأن منافسة الرئيسي في المعارضة متقدم عليه بنحو 25 ألف صوت، واعترف الرئيس التركي أردوغان نفسه بالهزيمة، وأعلن أن حزبه سيعالج مكامن ضعفه التي ظهرت في هذه الانتخابات.
وفاز في أنقرة منصور يافاس، كما فاز في إسطنبول إمام أوغلو، وكلاهما مرشح عن «حزب الشعب الجمهوري» العلماني. وقال كمال أوغلو، زعيم «حزب الشعب الجمهوري»، إن الشعب التركي صوّت لصالح الديمقراطية واختارها في هذه الانتخابات.
والسؤال الآن هو: ما أسباب سقوط «حزب العدالة والتنمية» الذي يقوده أردوغان، بعد 25 عاماً من سيطرة الإسلاميين على المجالس البلدية في تركيا؟ وهل تعتبر نتائج الانتخابات الأخيرة مؤشراً على أفول نجم أردوغان وحزبه الإسلامي وسياساته الإقصائية والاستبدادية، خصوصاً بعد حركته الانقلابية وتغييره للدستور العام الماضي، وتحويل النظام التركي من نظام برلماني تعددي إلى نظام رئاسي يعطي الرئيس صلاحيات واسعة؟
كان العامل الرئيسي للخسارة، هو تردي الأوضاع الاقتصادية والانكماش الاقتصادي والفشل في ضبط التضخم.. مما أدى إلى الضائقة الاقتصادية بعد الطفرة التنموية التي تحققت في السنوات الأولى من حكم أردوغان.
وهُناك عوامل خارجية أدَّت إلى خسارة حزب أردوغان؛ منها مثلاً محاولته تحدي السياسة الأميركية في المنطقة، وتقاربه مع روسيا، مما دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لاتخاذ سياسات اقتصادية قاتلة ضد المنتجات التركية، مما نتج عنه انخفاض الليرة التركية بنسبة 30% من قيمتها.
ما هي الدروس المستفادة من انحسار دور «حزب العدالة والتنمية» التركي وانخفاض شعبيته؟
لعل أحد الأسباب الرئيسة في رأيي، هو أن الأحزاب الإسلامية السياسية تسعى دائماً إلى إقصاء خصومها، والانفراد بالسلطة، وزج الدين في السياسة، ولو كان ذلك في دولة علمانية حديثة مثل تركيا. وقد رأينا لجوء أردوغان إلى سياسة البطش والقمع بحق المعارضة السلمية متمثلة في الأحزاب السياسية الأخرى.. حتى أنه منع بعضها من دخول الانتخابات، ومنعها داخل البرلمان نفسه. لا ينكر أحد أن الرئيس التركي حقق إنجازات اقتصادية عندما كان عمدة لاسطنبول، واستمرت سياسة الإصلاح عندما فاز بمقعد الرئاسة عام 2014، لكن حب السلطة وتعطشه للانفراد بها دفعه إلى تغيير الدستور وقمع المعارضة، والتخلص من خصومه السياسيين، من صحفيين وأكاديميين وقضاة وعسكر وغيرهم.
الدرس الذي علينا فهمه، هو أن الاستقرار السياسي سيؤدي حتماً إلى الاستقرار والازدهار الاقتصادي.. فعصرنا الحالي هو عصر الحريات الاقتصادية والمدنية والعدل والمساواة واحترام حقوق البشر.