تمثّل التكنولوجيا جزءاً مهماً من حياتنا، والشركات مثل فيسبوك لديها مسؤوليات جسيمة ملقاة على عاتقها. فكل يوم، نتخذ قرارات حول ما هو الخطاب الضار، وما هو الإعلان السياسي، وكيف يمكن تجنب الهجمات الإلكترونية المتطورة. هذه الأمور مهمة من أجل الحفاظ على أمن مجتمعنا وسلامته، غير أنه لو كان بإمكاننا البدء من الصفر، ما كنا لنطلب من الشركات أن تقوم باتخاذ هذه القرارات لوحدها.
وشخصياً، أعتقد أننا في حاجة إلى دور أكبر للحكومات والجهات المنظمة. فمن خلال تحديث قوانين الإنترنت، نستطيع الحفاظ على ما هو جيد وجميل بخصوصها – أي حرية الناس في التعبير عن أنفسهم وحرية رواد الأعمال في إنشاء أشياء جديدة – مع العمل في الوقت نفسه على حماية المجتمع من أضرار أكبر.
وانطلاقاً من تجربتي الخاصة، أعتقد أننا في حاجة إلى قوانين جديدة في أربعة مجالات: المحتوى الضار، ونزاهة الانتخابات، والخصوصية، وقابلية نقل البيانات.
أولا، المحتوى الضار. فيسبوك يمنح الجميع طريقة لاستخدام صوته، وهذا يخلق فوائد ومزايا حقيقية - من تقاسم التجارب إلى إنشاء الحركات. ولكن ينبغي أن نقر بأن لدينا مسؤولية للحفاظ على سلامة الناس على خدماتنا. وهذا يعني تقرير الأشياء التي تمثّل دعاية إرهابية، وخطاب كراهية، إلخ. ولهذا الغرض، نحرص على مراجعة سياساتنا مع الخبراء باستمرار، ولكن على مستوانا سنقوم دائماً بارتكاب أخطاء واتخاذ قرارات لا يتفق معها الناس.
والواقع أنه كثيراً ما يقول لي مشرّعون إن لدينا سلطة كبيرة جداً على الخطاب، وأنا بكل صراحة أتفق معهم. ولكنني بتُّ أؤمن بأننا لا ينبغي أن نتخذ الكثير من القرارات بخصوص الخطاب بمفردنا. ولهذا نحن بصدد إنشاء هيئة مستقلة حتى يستطيع الناس الطعن في قراراتنا. كما نعمل مع الحكومات، بما في ذلك المسؤولون الفرنسيون، بشأن ضمان فعالية أنظمة تقييم المحتوى.
ثانياً، التشريعات مهمة لحماية الانتخابات. و«فيسبوك» يقوم بتغييرات مهمة بخصوص الإعلانات السياسية، ومن ذلك مثلاً ضرورة أن يُثبت المعلنون في العديد من البلدان هوياتهم قبل شراء إعلانات سياسية. كما أنشأنا أرشيفاً قابلاً للبحث يُظهر من يدفع المال مقابل نشر الإعلانات، وما هي الإعلانات الأخرى التي ينشرونها، ومن هو الجمهور الذي شاهد الإعلانات. غير أن تقرير ما إن كان إعلان ما سياسياً ليس شيئاً واضحاً دائماً. والأكيد أن أنظمتنا ستكون أكثر فعالية لو خلقت الجهات المنظمة قواعد ومعايير موحدة من أجل التحقق بشأن اللاعبين السياسيين.
ثالثاً، إن فعالية الخصوصية وحماية البيانات تحتاجان إلى إطار منسجم عالمياً. والناس عبر العالم يطالبون بقوانين شاملة تتعلق بالخصوصية منسجمة مع «قوانين حماية البيانات العامة» التابعة للاتحاد الأوروبي، وأنا أتفق معهم. فأنا أعتقد أنه سيكون من مصلحة الإنترنت أن يتبنى عدد أكبر من البلدان لوائح مثل «قوانين حماية البيانات العامة» كإطار مشترك.
فالقوانين الجديدة المتعلقة بالقرصنة في الولايات المتحدة وحول العالم ينبغي أن تُبنى على الحمايات التي توفّرها «قوانينُ حماية البيانات العامة» الأوروبية. وينبغي أن تحمي حقك في اختيار كيفية استخدام معلوماتك - مع تمكين الشركات من استخدام المعلومات لأهداف السلامة وتوفير الخدمات. وينبغي ألا تنص على تخزين البيانات محلياً، الأمر الذي سيجعلها أكثر عرضة للوصول غير المرخص. كما ينبغي أن تحدد آلية لمحاسبة الشركات مثل «فيسبوك» من خلال فرض عقوبات عندما تُرتكب أخطاء.
وأخيراً، ينبغي أن تضمن اللوائحُ مبدأ قابلية نقل البيانات. ذلك أنك إذا كنت تتقاسم بيانات مع خدمة معينة، فينبغي أن تكون قادراً على نقلها إلى خدمة أخرى. وهذا يمنح الناس إمكانية الاختيار ويمكّن المطوّرين من الابتكار والتنافس.
وهذا مهم للإنترنت – ومهم لإنشاء الخدمات التي يريدها الناس. ولهذا أنشأنا منصتنا الخاصة بالتطوير. وينبغي أن تكون قابلية نقل البيانات الحقة شبيهةً بالطريقة التي يستخدم بها الناس منصتنا لدخول تطبيق ما أكثر منها بالطرق الحالية التي تستطيع أن تنزل بها أرشيفاً من معلوماتك. ولكن هذا يتطلب قواعد واضحة بشأن من المسؤول عن حماية المعلومات عندما تتنقل بين الخدمات.
إنني أؤمن بأن لدي «فيسبوك» مسؤولية للمساعدة على حل كل هذه المشاكل، وأنا أتطلع إلى مناقشتها مع المشرّعين عبر العالم. وقد أنشأنا أنظمة متطورة لإيجاد المحتويات الضارة، ووقف التدخل في الانتخابات، وجعل الإعلانات أكثر شفافية. ولكن الناس ينبغي ألا يكونوا مضطرين للاعتماد على الشركات من أجل معالجة هذه المشاكل بنفسها وبمفردها. وينبغي أن يكون لدينا نقاش أوسع بشأن ما نريده كمجتمع، وكيف يمكن للتقنين أن يكون مفيداً. ولا شك أن هذه المجالات الأربعة مهمة، ولكن بالطبع هناك مجالات أكثر يمكن مناقشتها.
لقد سمحت القوانين التي تحكم الإنترنت لجيل من رواد الأعمال بإنشاء خدمات غيّرت العالم وخلقت الكثير من القيمة في حياة الناس. وقد آن الأوان لتحديث هذه القوانين من أجل تحديد مسؤوليات واضحة للناس والشركات والحكومات مستقبلاً.
* مؤسس ومدير «فيسبوك»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»