يوماً ما قد ننظر إلى هذه الحقبة من الغضب وانعدام الاستقرار في السياسة العالمية باعتبارها عصر الإجابات المخادعة. والسؤال المهم ليس عن السبب في أن وعود الدواء السياسي الشافي لكل العلل قد أصبحت جاذبة، وإنما عن سبب عجز المؤسسات العريقة وأعراف الحكومات الديمقراطية عن فعل شيء حيال ذلك، إذا كانت تدرك بالفعل قدرة هذه النزعة على البقاء.
ولا يتعلق الأمر بقلة المحاولات، فالمشرعون وقادة المعارضة ومراقبون إعلاميون وأصوات سياسية أخرى قد ردّت برسالة واحدة على نطاق واسع من دولة إلى أخرى، مفادها: أن الحكم أمر معقد، وزعم وجود علاج ناجع لكل العلل يتجاهل المشكلات الحقيقية والتحديات التي تؤثر على الحياة اليومية للشعوب. لكن في ظل التفكك الاقتصادي وانهيار الثقة على نحو واسع النطاق فيما يسمى بالنخب الحاكمة، كثيراً ما تبدو الرسالة غير مواكبة لصدى ترنيمة الحلول السهلة، خصوصاً عندما تنسب جذور كل المشكلات إلى عدو أو تهديد خارجي.
وينطبق ذلك بالتأكيد على بريطانيا، حيث تحولت إلى الأمر إلى فوضى بعد جهود استمرت ألف يوم من أجل استبدال ذلك العرض البرّاق الخاص بانسحاب بريطانيا من عضويتها القائمة منذ عقود في الاتحاد الأوروبي، الذي تم تصويره على أنه كيان مهيمن وبعيد عن الواقع.
فهل ستنجح رئيسة الوزراء تريزا ماي في تمرير صيغتها التوافقية عبر البرلمان في محاولة جديدة؟ وهل ستبقى رئيسة للوزراء؟ وهل ستحظى خطة بديلة لـ«بريكست» بأغلبية برلمانية؟ بالنسبة لمن لا يعيشون هذه المرحلة الصعبة، لا شك أنه ستكون هناك حالة هلع من هول ما سيحدث في الأيام المقبلة!
وقد بدا خطاب «ماي» كاشفاً بشكل كبير الأسبوع الماضي، فقد انقلبت فيه على أعضاء البرلمان وهاجمتهم، ونصّبت نفسها مدافعة عن الشعب، وقررت منع أعضاء البرلمان من «خيانة» نتائج استفتاء عام 2016، الذي جاء، بهامش ضئيل، لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وقد شجب أعضاء البرلمان من جميع الأحزاب أداءها. وعلى رغم من ذلك، أشارت بعض استطلاعات الرأي الأخيرة إلى تأييد متزايد للخيار الأكثر سهولة وجذرية ألا وهو: الخروج من دون اتفاق. ورغم ذلك أقرّ حتى المناصرون السياسيون له بأنه يشكل تهديداً بحدوث خلل اقتصادي خطير.
ويبدو أيضاً أن ذلك الاندفاع، أو السمة الأساسية في عصر الحلول السهلة الخادعة، موجود في إسرائيل، حيث يخوض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يحكم في فترته الرابعة، حملة انتخابية لإعادة انتخابه في التاسع من أبريل.
والرؤية التي يقدمها نتنياهو ليست فقط التركيز بقوة على التحديات الأمنية، وإنما وعْد رئيس الوزراء وحلفائه من اليمين المتطرف هو فكرة تأكيد احتلال إسرائيل للقدس والضفة الغربية ومرتفعات الجولان، وهو ما يعني عملياً إزالة الفكرة النظرية حول التوصل إلى اتفاقات سلام مقابل العودة إلى حدود عام 1967.
فهل سيفوز نتنياهو بفترة أخرى؟ سنرى! لكن كما هي الحال مع استطلاعات الرأي بشأن «بريكست»، فإن ما أدهشني خلال زيارتي الأخيرة إلى إسرائيل لم يكن مدى التأييد الذي يحظى به نتنياهو من المؤيدين أيديولوجياً لفكرة «إسرائيل الكبرى»، وإنما أن بعض الأطراف المنتمية إلى الأحزاب السياسية في يسار الوسط قد بدت منجذبة لوعود نتنياهو الخادعة.
وأخبروني أنهم يعيشون في منطقة صعبة، وأن البيت الأبيض يؤيد نتنياهو، رغم أنهم يدركون ويقبلون تحذيرات خصوم نتنياهو بأن الاحتلال الدائم للضفة الغربية، التي يقطنها ثلاثة ملايين فلسطيني، سيكون وصفة للاضطرابات، بل إن الاتجاهات الديموغرافية وحدها لن تكون في مصلحة إسرائيل. لكن يبدو أنه طالما كان ذلك متعلقاً بالمستقبل، ففي الوقت الراهن، يبدو أن الرسالة الساذجة هي التي تجد آذاناً صاغية!
بيد أن المثير للاهتمام، أنه مثلما تشي أحجية «بريكست»، فإنه بمرور الوقت، ربما تتغير الآراء مرة أخرى، إذ أضحى الشباب خائفين من تكاليف الحياة الفعلية غير المناسبة التي أصبحت أوضح أثناء مناقشة الخروج من الاتحاد الأوروبي. وكشف استطلاع رأي حديث أن غالبية الناخبين الشباب الذين لم يشارك معظمهم في استفتاء 2016، سيؤيدون البقاء في الاتحاد الأوروبي إذا ما عقد استفتاء ثانٍ!
* كاتب أميركي مقيم في لندن
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»