بعض الموضوعات المستمرة في سخونتها على الساحتين العربية والدولية، على الرغم من أهميتها، يشعر المرء أن الكتابة فيها لن تكون مؤثرة، والسبب سرعة الأحداث وتطورها. فالأزمة اليمنية مثلاً تستحق الكتابة والتحليل لمعرفة تفصيلات ما استجد، والأهم معرفة أسباب تخلي الحكومة اليمنية الشرعية عن دورها في إدارة شؤون الدولة اليمنية وإنقاذ الشعب بإنهاء كارثة «الحوثي»، لتختص فقط بعلم الإحصاء: تُحصي خروقات «الحوثي» الميدانية ثم تقدم بها شكوى إلى الأمم المتحدة. أليس الوضع اقترب من أن يكون مهزلة؟ كما أن الوضع في فنزويلا يزداد توتراً وتصعيداً ليضيء من جديد على الوجه المخابراتي الغربي، الأميركي بالخصوص، في تلك القارة التي كانت حتى الأمس القريب هادئة، ودول عديدة تطلب ودّها والتعامل معها. إن أقرب صورة تقفز إلى الذهن وتنطبق على ما يجري في هذا البلد الغني بالنفط والمعادن والزراعة والبشر، هو ما فعلته أميركا وبريطانيا بثورة محمد مصدق (أغسطس 1953) في إيران: أجهضتاها بسبب الخشية على الثروة النفطيّة التي أراد مصدق تأميمها أو إعادة النظر في التعامل عليها. هل هنالك دروس يمكن للعرب استخلاصها من الأزمة الفنزويلية؟ أما ليبيا التي تناهبتها المليشيات المتطرفة فموضوعها (Case Study).
ومن باب التوثيق للتراجيديا الليبية، أرى العودة في الحديث عنها إلى محاضرة لمدير المخابرات الروسية الخارجية، ميخائيل فرادكوف، ألقاها في جمع من السفراء الروس في البلدان العربية والإسلامية. يقول فرادكوف: منذ الأيام الأولى لأحداث مصر، كان الإعلام الأميركي يضخّمها ويوجّه رسائل ضمنية لحسني مبارك. ففهم الشارع المصري أن الدعم الأميركي له قد انتهى، فتصاعدت التحركات الشعبية مراهنةً على أن الجيش المصري لن يتدخل ولن يقمع، وأن مبارك قد فقد قوته وتأثيره. كان الأميركان مشغولين بترتيب الأوراق المصرية مع «الإخوان المسلمين»، وعندما فوض مبارك صلاحياته للمجلس العسكري، ضغط الأميركان بشدة على المجلس للتخلي عن السلطة وإجراء انتخابات.. (الاحتكام للديمقراطية).
يوضح «فرادكوف» أنه في تلك الفترة وضمن سلسلة الحلقات، بدأت الأحداث في ليبيا بتحركات شعبية عنوانها إسلامي بحت. التقدير الأميركي كان يرى أن ثورة شعبية في ليبيا لن تنجح، فالقذافي يمتلك قدرة عسكرية وسيستخدمها، فكان على«الناتو» ملاحقة النظام الليبي ورموزه دعما ل(الثوار). وللأسف، يقول فرادكوف:(كان عمرو موسى، أمين عام الجامعة العربية في تلك الفترة2001-2011، قد أدرك المعادلة جيداً.. لتحقيق حلمه في الرئاسة المصرية).. فالعصر القادم هو عصر الإخوان رغم إعلانهم أن (لا مرشح لهم للرئيس)..(فسهّل عمرو موسى الطلب القطري في الجامعة العربية للموافقة على غزو الناتو لليبيا). وآنذاك أخبر المشير محمد طنطاوي عمرو موسى صراحة أن هذا القرار المُتخذ في الجامعة من قلب القاهرة يمس الأمن القومي المصري بالذات، قبل أن يمس الليبيين، وأن الجامعة شرعت بذلك الاعتداءات على الدول العربية. ونجح الغرب في ليبيا، يقول ميخائيل فرادكوف، وكان هدفهم الرئيس هو (العمل على تجميع معظم القوى والتنظيمات الإرهابية في أنحاء العالم في ليبيا وتحويلها إلى مخزون إرهاب في المنطقة لينطلق إلى دول الجوار وفق الحاجة). ويؤكد فرادكوف (وكان ذلك بالتنسيق المباشر بين الإخوان وتركيا وأميركا، حيث بعد أول ضربة لليبيا أحكم الإخوان سيطرتهم على ليبيا).