نعيش الآن في موسم سخيف من المنافسات التمهيدية في الحزب «الديمقراطي» على الترشح للرئاسة الأميركية، وأخشى من أنه سيستمر حتى انتهاء عملية الترشيح. وعلى رغم من وجود كثير من الاستثناءات الجديرة بالاحترام، لكن هناك قدراً هائلاً من التقارير المخيفة التي لا محلّ لها من الإعراب، فلا هي عن المرشحين ولا عن مقترحاتهم السياسية، وإنما عن آراء المعلقين والمراقبين بشأن آراء الناخبين في جدارة المرشحين وإمكانية انتخابهم. وهي مناقشة لا يعلم أحد ممن يخوضها شيئاً عما يقول!
لكن في هذه الأثناء، تجري بعض النقاشات السياسية الجادة، غير أنها لا تتعلق بصورة أساسية بالأهداف، لأنه أياً كان من سيرشحه «الديمقراطيون» سيعلن الولاء للأجندة التقدمية الرامية إلى تقليص تباين الدخل وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعية والتحرك ضد التغير المناخي. بيد أن هناك بعض الاختلافات الكبيرة بشأن كيفية تحقيق هذه الأهداف.
ولعل أبرز الاختلافات تتضمن الرعاية الصحية. وبالطبع، سيدافع البرنامج «الديمقراطي» النهائي عن «رعاية طبية» ولكن يبقى السؤال: «رعاية من أجل من؟»، والأكثر أهمية أن ما يعنيه ذلك سيكون مهماً بالنسبة للانتخابات العامة، وما يليها إذا ما فاز «الديمقراطيون».
ومن جانب هناك برنامج «ميديكير للجميع»، والذي يُعبّر عن موقف «بيرني ساندرز»، سيناتور «ديمقراطي» ولاية فيرمونت، الذي يخوض المنافسة: ويرى استبدال نظام التأمين الصحي الأميركي القائم بأسره ببرنامج على شاكلة «ميديكير»، الذي توفر من خلاله الحكومة الأميركية تأميناً صحياً لكبار السنّ، على أن تدفع من خلاله الحكومة معظم الفواتير الطبية بصورة مباشرة للجميع.
ومن جانب آخر، هناك، برنامج «ميديكير من أجل أميركا»، وهو في الأساس مقترح من «مركز التقدم الأميركي»، وتجسد الآن في مشروع قانون. وعلى رغم من أنه لا أحد من المرشحين «الديمقراطيين» المعلنين قد صادق على ذلك المقترح بعد، لكن أُخمّن أن معظم مقترحاتهم ستتمحور حول برنامج مشابه.
وأبرز ما يميز برنامج «ميديكير من أجل أميركا» عن خطة «ساندرز» أنه سيتم السماح للناس بالحفاظ على تغطية خاصة إذا أرادوا ذلك، لكن سيكون لديهم ولأصحاب عملهم خيار شراء النسخة المعززة من تغطية «ميديكير»، مع دعم كبير للأسر من أصحاب الدخل المتوسط والمحدود.
غير أن أهم ما ينبغي معرفته بشأن هذين البرنامجين أن كلاً منهما سيفي بالغرض! وأعتقد أن كثيراً من الناس يدركون أننا الدولة الوحيدة المتقدمة التي لا تضمن رعاية صحية أساسية لسكانها الموجودين بصورة شرعية. وتخميني أن عدداً أقل يدركون أن الدول تحقق ذلك الهدف بسبل شتى، وجميعها تجدي نفعاً.
وفي كل عامين، يصدر «صندوق الكومنولث»، وهو مؤسسة معنية ببحوث الرعاية الصحية، استطلاعاً قيماً حول أنظمة الرعاية الصحية في الدول الكبرى. ودائماً ما تتذيل الولايات المتحدة القائمة. وفي أحدث إصداراته، كانت الدول الثلاث المتصدرة هي بريطانيا وأستراليا وهولندا.
والملحوظ بشأن هذه الدول الثلاث المتصدرة أن لديها أنظمة مختلفة اختلافاً جذرياً. فبريطانيا لديها نظام رعاية صحية «اشتراكي تماماً»، حيث توفر الحكومة الرعاية الصحية بصورة مباشرة. وأما أستراليا فلديها نظام «الدافع الوحيد»، والذي يندرج تحته برنامج «ساندرز». لكن النظام الهولندي يعتمد على شركات التأمين الخاصة، والتي تخضع لتنظيمات صارمة، مع كثير من الدعم الحكومي، لكنه يبدو مشابهاً لنسخة أفضل تمويلاً من «أوباماكير» أكثر من كونه مشابهاً لبرنامج «ميديكر للجميع». ورغم ذلك، تتصدر هولندا تصنيف «صندوق الكومنولث».
ويبقى السؤال: ما هو النظام الأفضل الذي يتعين على «الديمقراطيين» تأييده؟
أزعم أن الإجابة هي: النظام الذي من المرجح أن يتمكنوا من تطبيقه بالفعل.. ذلك النظام الذي سيخدم مصالحهم بصورة أفضل في الانتخابات العامة، والمرجح أن يجتاز الكونجرس إذا فاز «الديمقراطيون».
وعلاوة على ذلك، هناك حقيقة واحدة مهمة على الأرض ألا وهي: أن أية استراتيجية واقعية بشأن الرعاية الصحية لابد وأن تتعامل مع 156 مليون أميركي، أي نصف سكان الولايات المتحدة تقريباً، ممن يتلقون حالياً تأميناً صحياً من خلال أصحاب عملهم. ومعظم هؤلاء الناس راضون تماماً عن تغطيتهم.
وتطبيق خطة «ميديكير للجميع» ستعني واقعياً القول لأولئك الناس: «سنلغي خطتكم الحالية، لكن ثقوا بنا أن البديل سيكون أفضل، وسنفرض مجموعة من الضرائب الجديدة لتمويل البديل، لكنها ستكون أقل مما تدفعونه الآن أنتم وأصحاب عملكم في صورة أقساط تأمين».
والحقيقة أن كلا التصورين قد يكونا صحيحين! لأن تكاليف نظام «الدافع الواحد» سيكون أقل تكلفة من النظام المختلط الذي يحتفظ ببعض صور التغطية الخاصة.
ولكن حتى إذا كانت المزاعم المتفائلة بشأن الرعاية الطبية للجميع حقيقة، فهل سيصدقها الناس؟ وحتى إذا صدق معظم الناس، فماذا لو لم تثق الأقلية «الكبيرة» من الناخبين في تلك الوعود، فعندئذ، إما سيُهزم «الديمقراطيون» في الانتخابات العامة أو على الأقل سيكون من المستحيل تمرير خطتهم عبر الكونجرس.
وبالنسبة لي، ستكون خطة «ميديكير من أجل أميركا»، التي تسمح للناس بالحفاظ على التأمين المكفول لهم من عملهم، رهاناً أفضل بكثير، وربما أكون مخطئاً! لذا من الأفضل أن نقضي الأشهر القليلة المقبلة نناقش هذه القضية.
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/03/21/opinion/medicare-for-all-democrats.html