شعر العالم بصدمة نتيجة الاستعراض الوحشي للكراهية العرقية حين أطلق إرهابي من المؤمنين بتفوق البيض النار في مسجدين بمدينة كرايستشيرش في نيوزيلندا يوم 15 مارس الجاري، مودياً بحياة 50 شخصاً، بينهم طفل في الثالثة، وعجوز في الـ78.
وحرص منفذ أكبر هجوم إرهابي في تاريخ نيوزيلندا على أن يؤدي عمله إلى أكبر أثر على الجمهور عبر العالم. فقد نشر بياناً مؤلفاً من 74 صفحة، مشيداً بالإرهابيين من اليمين المتطرف من أوروبا والولايات المتحدة، ومحرضاً الرجال البيض على العنف ضد الملونين والمهاجرين والمسلمين منهم خاصة. وربما لم تتضح بعد تداعيات الهجوم، لكنه أثبت أنه مرحلة مهمة في لفت انتباه العالم إلى ما يتفق الخبراء على أنه تصاعد في التهديد الذي يتجاوز الدول جراء عنف المؤمنين بتفوق البيض، ومدى التقليل من شأن هذا التهديد وسوء فهمه.
وتميل الحكومات إلى النظر إلى تطرف اليمين باعتباره مشكلةً داخليةً، لكن المؤمنين بتفوق البيض يستغلون اليوم ذيوع مواقع التواصل الاجتماعي ورخص وسائل السفر، للعمل على مستوى عالمي كما يفعل الإرهابيون الآخرون. فقد أظهرت معلومات «مؤشر الإرهاب الدولي» لعام 2018، وهو تقرير سنوي صادر عن «معهد الاقتصاد والسلام»، مستقى من بيانات جمعتها جامعة ماريلاند، أن ضراوة وعدد الهجمات التي تشنها الجماعات الإرهابية من أقصى اليمين زادت بشدة في أميركا الشمالية وأوروبا الغربية منذ عام 2002. ويؤكد التقرير أن رسائل اليمين المتطرف تنتشر عبر منابر الإنترنت. ووجد التقرير أيضاً أن «عناصر الخوف من الإسلام ومن الأجانب» موجودة في 50 منظمة مختلفة من أقصى اليمين.
وأحد الأسباب الرئيسة لصعود إرهاب أقصى اليمين هو انشغال الحكومات بالتطرف الإسلامي العنيف منذ هجمات 11 سبتمبر 2001. ولهذا الانشغال ما يسوغه، فالإرهابيون الإسلاميون مسؤولون عن كثير من الهجمات والوفيات منذ عام 2001. وتشير بيانات تقرير «مؤشر الإرهاب الدولي» إلى أن الجماعات الإرهابية الأربع، وهي «داعش» و«طالبان» و«الشباب» الصومالية و«بوكو حرام» النيجيرية، في عام 2017، كانت مسؤولة عما يقارب 60% من ضحايا الإرهاب على امتداد العالم.
لكن خبراء يشيرون إلى أن قتلى الإرهاب تراجع عددهم إجمالاً بنسبة 40% عن القمة التي بلغها عام 2014، وهذا يرجع في جانب منه إلى تراجع العنف في مناطق الصراع، مثل العراق وسوريا، وإلى فقدان «داعش» معظمَ الأراضي والموارد التي سيطر عليها سابقاً. لكن موارد الحكومات لمكافحة التطرف ظلت تركز إلى حد كبير على التصدي للإرهابيين الإسلاميين، بما في ذلك استهداف أنشطتهم على الإنترنت، ما سمح في المقابل بنمو العنصريين البيض.
ويشير محللون إلى أن هناك أيضاً قيوداً قانونية وعوامل سياسية تجعل الحكومات وشركات التكنولوجيا تضغط على المتطرفين الإسلاميين أكثر مما تضغط على الجماعات الإرهابية المحلية من الجناح اليميني. والتيار العام من وسائل الإعلام الغربية يغطي الهجمات الإرهابية بشكل موسع، خاصة تلك التي تستهدف أميركيين أو أوروبيين.
ويؤكد خبراء أن الإرهابيين العنصريين البيض التفوا- كرد فعل في جانب منه على الإرهابيين الإسلاميين- في السنوات القليلة الماضية حول أيديولوجية تمزج قومية البيض بمشاعر مُناهَضة الهجرة ومناهَضَة المسلمين. ويستخدم المتطرفون من أقصى اليمين تهديد التطرف الإسلامي لاستقطاب آخرين وتسويغ العنف ونشر أيديولوجيتهم الإرهابية. والإرهابيون الإسلاميون من جانبهم يستغلون عنف الجناح اليميني ضد المسلمين كمسوغ للرد الانتقامي.
ويتفق خبراء على أن هجمات كرايستشريش تقرع ناقوس الخطر، وقد تحفز على عمل ضروري ضد تهديد العنف من متطرفي اليمين العنصري. وبالفعل، نقحت الحكومتان الأميركية والبريطانية استراتيجياتهما لمكافحة الإرهاب للاعتراف بالمخاوف من الإرهابيين المحليين، وحذرت لندن من الخطر المتصاعد لـ«الجناح اليميني المتطرف». وأصبح المسؤولون أكثر استعداداً لإلصاق صفة الإرهاب بأعمال العنف التي يمارسها المتطرفون البيض.
وتواجه الدول وشركات التكنولوجيا مهمةً شاقةً تتعلق بإزالة المحتوى الذي ينطوي على الكراهية والتطرف لدى أقصى اليمين من على الإنترنت. فعلى خلاف القرن العشرين، حين كانت هناك مؤسسات تضع معايير للخطاب في السينما والراديو والتلفزيون ووسائل الإعلام الأخرى، أصبح النشاط على الإنترنت حالياً بلا قانون والمجتمعات تضع القوانين مع توغلها في غابات العالم الرقمي.
والتعاطف والدعم الدوليان لضحايا مسجدي نيوزيلندا ربما يدفعان إلى ظهور حركة شعبية متصاعدة ضد مثل هذا الإرهاب العنصري الدوافع. والإرهابيون العنيفون -من «داعش» إلى النازيين الجدد- يخفقون عادة في اجتذاب عدد كبير من الأتباع إلى قضاياهم. والتاريخ يمتلئ بهذه الأمثلة، بما في ذلك حالة تيموثي مكفاي الذي قتل 168 شخصاً في تفجير أوكلاهوما سيتي في أكثر أعمال الإرهاب المحلي دموية في التاريخ الأميركي. وكان مكفاي يسعى إلى التحريض على حرب أهلية، لكن كل دعم حظي به من قبل تقلص بعد هجومه.

*صحفية ومراسلة أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»