الولايات المتحدة والصين في سباق تسلح من خلال «الذكاء الاصطناعي»، هذه العبارة نراها في كل مكان، ويتجلى هذا في المقالات الافتتاحية والمقالات الإخبارية والمقاطع التليفزيونية. وهو أيضاً في الكتب، وتقارير المؤسسات البحثية والوثائق الحكومية. وكل هذا للتعبير عن الخوف من أن دولة أخرى ربما تطور ذكاءً اصطناعياً أقوى مما لدينا.
بيد أن وصف التنافس في مجال الذكاء الاصطناعي بأنه «سباق تسلح» أمر خاطئ وخطير. فهو يشير إلى أن تنمية الذكاء الاصطناعي يعني أن الفائز يأخذ كل شيء، حيث يتصارع قطاعان منفصلان من الذكاء الوطني من أجل الهيمنة الكلية، مما يؤدي إلى سياسات تقطع الترابط القيم. وفي الوقت نفسه، فإنه يسيء استخدام أبحاث الذكاء الاصطناعي بشكل أعم من خلال الإشارة إلى أن هذا الحقل المتنوع هو تقنية واحدة، وتقريباً تركز بشكل كبير وحتمي على التطبيقات العسكرية للذكاء الاصطناعي.
ومن السهل كشف زيف الفرضية القائلة بأن أبحاث الذكاء الاصطناعي هي جهد محصلته صفر. في الواقع، تستثمر الشركات الأميركية مليارات الدولارات في شركات الذكاء الاصطناعي الصينية، كما قامت الشركات الصينية باستثمار عشرات المليارات من الدولارات في اتجاه آخر. كما تعتمد الشركات الأميركية بشكل كبير على التصنيع الذي سيكون له تأثير أكبر على تطوير الذكاء الاصطناعي، حيث يتم نشر تقنياته بشكل متزايد في أجهزة مثل الطائرات من دون طيار والروبوتات.
والترابطات بين تطوير الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة والصين ترتبط أيضاً بالمعرفة: وعلى سبيل المثال لا الحصر، افتتحت جامعة «تشينجهوا» الصينية في شهر يونيو الماضي معهداً للذكاء الاصطناعي، حيث يعمل رئيس قسم الذكاء الاصطناعي بجوجل «جيف دين» مستشاراً، وتنتمي شركة «بايدو» الصينية للأبحاث إلى شراكة من أجل الذكاء الاصطناعي، تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، ما يهدف إلى تطوير أفضل الممارسات بالنسبة لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وأكبر متاجر تجزئة في الصين لديها شراكة بحثية مع معمل الذكاء الاصطناعي بجامعة ستانفورد لتمويل مجالات مثل الرؤية الحاسوبية والتعليم الآلي والتوقع. ومن ناحية أخرى، فإن الطبيعة مفتوحة المصدر لأبحاث الذكاء الاصطناعي تساهم بشكل أكبر في التدفق شبه المستمر للمعلومات عبر الحدود.

والتحدث عن الذكاء الاصطناعي باعتباره سباق تسلح يعني تجاهل العديد من مجالات تطويره، مثل إمكانية تحسين نتائج الصحة العامة، والتي قد تفيد الصين والولايات المتحدة. فالخوارزميات التي تكشف السرطان بشكل أفضل، على سبيل المثال، من الممكن أن تقلل بشكل ملحوظ تكاليف الرعاية وتزيد من دقة التنبؤ بالمرض في مراحله المبكرة. ومن الممكن أن يفيد هذا الولايات المتحدة والصين معاً، ناهيك عن الدول الأخرى حول العالم. ومع وضع «سباق التسلح» في إطار الفائز يأخذ كل شيء، رغم ذلك، ربما يسن صانعو السياسات الأميركيون سياسات تضر بتطوير الذكاء الاصطناعي الأميركي والاحتفاظ بالفرص من خلال قطع القنوات الحيوية للتمويل، والمعرفة والموارد الأخرى. وعلى سبيل المثال، فإن ضوابط التصدير الشاملة التي فرضها ترامب على الذكاء الاصطناعي تهدف إلى الحد من نشر بعض المعرفة والموارد الخاصة بالذكاء الاصطناعي في الصين. وفي هذه العملية، ربما تقطع هذه الضوابط العلاقات والتبادلات المفيدة «وتحد بشكل كبير» من الفرص التجارية للشركات الأميركية.

كما أن تعبير «سباق التسلح» المجازي مضلل لأنه يتعامل بشكل غير صحيح مع «الذكاء الاصطناعي» كتقنية واحدة. فمن تقنية التعرف على الوجه إلى الكشف عن سرطان الجلد إلى تقييم احتمال الانتكاس، هناك تطبيقات مختلفة للذكاء الاصطناعي ذات خصائص مختلفة ومجموعات مختلفة من بيانات التدريب. كما تتطور هذه التكنولوجيات بسرعات مختلفة، لأنها قد تتطلب بيانات مختلفة أو قوة حاسوبية وربما تعتمد على تقنيات علوم الكمبيوتر المختلفة. وقد يكون للبعض (مثل الأسلحة المستقلة القاتلة) تأثيرات واسعة النطاق على قوة الدولة، في حين أن البعض الآخر (مثل برامج الشطرنج المتطورة) ربما تعمل بشكل أكبر كنماذج رائعة للشركات. ومساواة هذه وغيرها من المجالات الأخرى قد يقودنا بسهولة إلى إعطاء أولوية للأشياء الخاطئة ولأسباب خاطئة. ولكن مع إطار «سباق التسلح» هذا، يتحدث صناع السياسة والمعلقون عن الصين التي «تهزم» الولايات المتحدة دون فهم ما يعني «الفوز» بالنسبة لأي من الجانبين. فماذا يحدث لو قام عملاق التكنولوجيا الصيني «علي بابا» بتطوير أنظمة للتعرف على الوجه أفضل من جوجل؟ أو ماذا يحدث إذا حلقت الطائرات من دون طيار العسكرية الصينية بشكل أسرع من تلك التي طورتها شركة سان فرانسيسكو الناشئة؟ إن النتيجة النهائية لهذه السيناريوهات وغيرها غير واضحة، ما يعني أن صناع السياسة قد لا يستثمرون بشكل كافٍ في مجالات تطوير الذكاء الاصطناعي ذات التأثير الاستراتيجي الأكبر.

وبالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي تأطير «سباق التسلح» إلى جعل صناع السياسة يسيئون التعامل مع المخاطر المختلفة التي تسببها تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي. فالتحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقانونية والأخلاقية لخوارزميات التعرف على الوجه والتي تنشرها إدارة الشرطة في المدينة هي مختلفة تماماً عن تلك الخاصة بمتنبئ سرطان الجلد المتحيز عنصرياً أو نظام «الصندوق الأسود» لإطلاق الصواريخ. فإذا كنا سنقوم بإدارة هذه الأخطار، فإننا بحاجة إلى التفكير بشأنها بحرص وبتروٍ، الأمر الذي يصبح أكثر صعوبة عندما نندفع لإنتاجها. وفي الوقت الذي يتعين على الولايات المتحدة أن تضع فيه معايير ديمقراطية قوية حول تصميم واستخدام الذكاء الاصطناعي – في معارضة للنظام الرقمي للحكومة الصينية – فإن معالجة هذه التكنولوجيات كما لو كانت هي نفسها ربما يؤدي إلى إدارة مخاطر كارثية.

هذا لا يعني أن الولايات المتحدة والصين لا تتنافسان على الذكاء الاصطناعي – أو أن المنافسة غير ذات صلة. على العكس من ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي سيعزز الاقتصادات الوطنية والقدرات العسكرية، وكلاهما سيكون له تأثير على قوة الدولة. وبما أن العديد من الدول حول العالم تقرر دور الذكاء الاصطناعي في المجتمع، فإن خياراتها ستؤثر حتماً على النظام العالمي –مما يؤثر على ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يستخدم لتعزيز أشكال الحكم الديمقراطي أو السلطوي. وهذا يضيف تعقيداً مثيراً للقلق للتعبير المجازي «سباق التسلح»، الذي يشير إلى أن الولايات المتحدة والصين تسلكان نفس المسار نحو نفس خط النهاية. وقد تجعل هذه الفرضية من الصعب على الولايات المتحدة متابعة البحث وفقاً لمعايير أكثر ديمقراطية، حيث إنها تشير إلى أننا نحاول فقط انتزاع- بعيداً- كل ما تتشبث به الصين قبل أن تتمكن من الوصول إليه.
وتحتاج الولايات المتحدة إلى استراتيجية وطنية متماسكة للذكاء الاصطناعي – ولا يحسب الأمر التنفيذي الأخير، لأنه غامض جداً، ولا يناقش بشكل كافٍ رؤية أميركية طويلة المدى للذكاء الاصطناعي – تتعامل مع التكنولوجيات العديدة الموجودة في متناول اليد. ومن ناحية أخرى، فإن الصين تتعامل مع الأشكال العديدة للذكاء الاصطناعي في وثائقها العديدة التي تحدد خطط الحكومة وطموحاتها بالنسبة لتطوير تطبيقاته في العديد من المجالات. إنه دليل على الالتزام بتطوير الذكاء الاصطناعي «على أعلى المستويات»، من التعليم إلى التحول الصناعي إلى المركبات التي تعمل من دون سائق. إن وضع استراتيجية أميركية تتناول تطوير الذكاء الاصطناعي باعتباره «سباق تسلح» لن تكون على المستوى المطلوب؛ لأنها تروي قصة بسيطة للغاية حول التكنولوجيات التي تزداد تعقيداً كل يوم، لذا لا ينبغي تناولها على هذا النحو.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»