في الرابع عشر من مارس، مرّر مجلس كلية «بيتزر» في ولاية كاليفورنيا، بأغلبية 67 صوتاً مقابل 28 صوتاً فقط، قراراً بوقف علاقتها مع جامعة «حيفا» حتى تنهي إسرائيل سياستها الخاصة بتقييد الدخول على أساس «الخطاب السياسي المحمي بموجب القانون أو العرق أو الأصل»، وقد وافقت بالفعل هيئة التدريس والطلاب على القرار.
وفي غضون بضع ساعات من تصويت مجلس الكلية، اتخذ رئيس كلية «بيتزر» خطوة غير مسبوقة بالاعتراض على القرار باستخدام «الفيتو»، وهو ما أجّج أزمة ثقة بين المجلس الحاكم للكلية ورئيسه. وأثناء الإعداد للتصويت، طُلب مني كتابة خطاب يدعم القرار، وكتبت في خطابي ما يلي: «إنني أؤيد قرار هيئة التدريس في كلية بيتزر بالدفاع عن العدالة والمساواة. وبوقف التعاون بين كلية بيتزر وجامعة حيفا إلى أن تنهي إسرائيل سياساتها التمييزية فيما يتعلق بالدخول عند الحدود ومنح التأشيرات للأفراد من أجل المشاركة في التبادل الطلابي مع الجامعات الفلسطينية، فإن هيئة التدريس تؤكد التزامها بضمان قيم كلية بيتزر لاسيما مساواة الفرص التعليمية وحق الجميع في المشاركة في الحوار والتفاهم الفكري. والتمييز الذي تمارسه إسرائيل بحق الأشخاص استناداً إلى عرقهم أو انتماءاتهم ليس فقط مشكلة للفلسطينيين الذين يعيشون داخل إسرائيل، حيث تعتبرهم مواطنين من الدرجة الثانية، أو لمن يعيشون في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث لا يتمتعون بأي حقوق سياسية، وإنما مشكلة تؤثر على الأميركيين الذين يسافرون إلى هناك أيضاً».
وعلى مدار عقود، لطالما تعرض كثير من الأميركيين العرب، بسبب عرقهم، وأميركيون آخرون، بسبب تأييدهم لحقوق الإنسان الفلسطيني، للتمييز بصورة ممنهجة، فخضعوا للتفتيش الذاتي والمضايقات والاحتجاز والترحيل عندما يحاولون دخول فلسطين أو إسرائيل.
ويبدو أن التمييز الإسرائيلي مسألة ممارسة وسياسة. وفي الحقيقة، أصبح أمراً شائعاً، لدرجة أنه دفع الحكومة الأميركية إلى اتخاذ إجراء، فقبل أربعة أعوام، أعربت وزارة الخارجية الأميركية عن قلقها إزاء المعاملة غير العادلة التي يتعرض لها الأميركيون من أصول فلسطينية وغيرهم من الأميركيين العرب، عند الحدود ونقاط التفتيش الإسرائيلية. وتحدث وزراء الخارجية الأميركيون السابقون، مادلن أولبرايت وسوزان رايس وجون كيري، عن هذا الأمر صراحة، معلنين الاعتراض على معاملة إسرائيل للأميركيين العرب واعتبارهم مواطنين أميركيين أقل درجة!
وبسبب السياسة الإسرائيلية التمييزية ضد الأميركيين من أصول عربية، عارضت وزارة الخارجية الأميركية وعرقلت جهوداً من قبل البعض في الكونجرس لمنح الإسرائيليين إعفاء من تأشيرة دخول الولايات المتحدة.
ونُثمّن صياغة ذلك القرار بمهارة شديدة لحض إسرائيل على تغيير سياساتها، فلم يكن مجرّد مقاطعة، وإنما دعوة لكل من جامعة حيفا وكلية بيتزر من أجل اتخاذ موقف داعم ومؤيد يضمن أن فرصة المشاركة في برامج التبادل التعليمي متاحة للجميع. وبفعل ذلك، نوجّه رسالة إلى إسرائيل بأن التمييز أمر غير مقبول.
والمزعج بصورة خاصة بشأن «فيتو» رئيس كلية «بيتزر» هو الطريقة التي أساء بها توصيف إجراء مجلس الكلية. فقد وصف تصويتهم بأنه «يضع عقبات أكاديمية أمام الطلاب الراغبين في الدراسة بجامعة حيفا»، واعتبره «صورة من المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل» من شأنها الابتعاد بالكلية عن مسار التبادل الحر للأفكار.
وفي الحقيقة، لم يدعو قرار هيئة التدريس الذي تبناه مجلس الكلية إلى مقاطعة إسرائيل أو تقييد حرية تبادل الأفكار. وإنما طالب إسرائيل بعدم منع الطلاب أو هيئة التدريس من المشاركة في البرامج بجامعة حيفا على أساس آرائهم السياسية أو عرقهم. وباستخدام «الفيتو» ضد القرار، حاول رئيس كلية «بيتزر» تبرئة إسرائيل من سياساتها التمييزية، وقد أخفق بذلك في أداء واجبه تجاه حماية حقوق هيئة تدريس وطلّاب كليته، سواء أكانوا من أصول عربية أو لديهم آراء تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تمنعهم إسرائيل من الدخول بسببها. وهذا هو الانتهاك الحقيقي للحرية الأكاديمية.