في السنوات الأخيرة منذ انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي السابق، وتراجع الأخطار المفترضة الآتية من النظم الراديكالية الحاسمة في عدد من دول العالم العربي، خاصة سقوط نظام حرب البعث في العراق، وظهور موجات الفوضى العارمة في بعض دول العالم العربي، يبقى الخطر الجسيم الأول الذي يهدد الأمن الوطني لدولة الإمارات مباشرة هو الخطر الإيراني، فلطالما كانت العلاقات مع إيران متوترة منذ احتلالها لجزر الإمارات الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، ثم بعد اندلاع الثورة فيها. لقد شكل عام 1979 الذي اجتاحت فيه الثورة إيران وأسقطت نظام الشاه السابق عاماً كارثياً لدول الخليج العربي التي استبشرت خيراً في بداية الأمر، ثم ما لبث ظنها أن خاب في نوايا النظام الجديد تجاهها الذي أصبح يشكل عليها خطراً داهماً نتيجة لتطلعاته في تصدير الثورة والتوسع والهيمنة، فرأت أمامها ما هو أشد خطراً من النظام السابق.
بالنسبة للإمارات شكّل النظام الجديد القائم على أيديولوجيا دينية متطرفة يعتنقها رجال دين من غلاة الشيعة الإثنا عشرية، راغب في تصدير ثورته، تحدياً غير مسبوق، فلأول مرة في تاريخ الخليج العربي يقبع نظام حكم شيعي متطرف، تحركه ثورة شعبية داعمة له، ولديه ثروة نفطية هائلة، على الضفة الشرقية من الخليج العربي وعلى بعد بضع كيلومترات قليلة من الحدود المائية للدولة. لذلك فإن قوة ونمط المنهج المطلوب لدعم استراتيجية الغد للإمارات يجب أن يتم تحديده من قبل تقييم إقليمي شامل لقدرات العدو وطبيعة واحتمالات التهديد القادم منه عبر البحر والنطاق الخاص بالتزامات الإمارات وأولويات مصالحها. إن مستوى القوة المطلوب يجب أن يكون مرناً، وموضوع تلك القوة خاضع للتغيير مع تبدل الحالة السياسية والعسكرية في المنطقة. وهنا دعونا نشير إلى أن أي سياسة أمن وطني تستحق أن تحمل هذا الاسم يمكن لها أن تصاغ فقط عندما تدخل فيها حسابات وجود المخاطر، وبغض النظر عن أية تقنية إدارية تطبق على هذه العملية، فإن بعضاً من المخاطر فيها غير قابلة للحسبة، وهذا الأمر قائم دائماً، فهذه هي طبيعة بني البشر وحساباتهم.
الإمارات قادرة على التقليل من المخاطر الخارجية، بمعنى زيادة الإنفاق العسكري والأمني، مع الحرص على أن هذا لن يؤثر على مسيرة التنمية العملاقة في الداخل. وهذا في ظل المقولات الاستراتيجية الإقليمية التي تهيمن على قدرات دول المنطقة العسكرية منذ الغزو العراقي للكويت. وبسبب عدم وجود قرارات جماعية على المستوى الإقليمي سياسية واقتصادية ذات مغزى، فإن الإمارات زادت من حذرها السياسي والاقتصادي تجاه دول من قبيل إيران وقطر في السنوات الأخيرة، كجزء من المخاطر التي تواجهها وتتعامل معها في رسم استراتيجياتها المستقبلية.
وعليه فإن تحقيق التوازن أو تحييد المخاطر على الأمن الوطني لا يمكن التوصل إليه سوى من قبل القيادة الوطنية العليا للبلاد، لذلك فإن أية «استراتيجية غد» إماراتية يجب أن تصب في اتجاه أن تبقى البلاد وقيادتها وشعبها آمنة مطمئنة، وهذا الأمر يتحقق عن طريق الحفاظ على اللحمة الداخلية متماسكة بالصلابة والتسلح ضد المخاطر الخارجية بتفوق، والقدرة على التعبئة الشعبية عند الحاجة. وأخيراً توجد نقاط مهمة لوضع «استراتيجية الغد» تترجم نفسها في خمس أولويات سأعود للحديث عنها في مقال قادم.
*كاتب إماراتي