قبل اثنين وثلاثين عاماً، أدلى رونالد ريجان بما يعتقد كثيرون أنه كان أصعب وأقل خطاباته المفضلة في حياته المهنية. وربما يقول البعض إنه كان أكثرها أهمية. وعادة، عند الاستعداد لمخاطبة الأمة في وقت الذروة بالمكتب البيضاوي، كان ريجان يتحمس كثيراً، أو على الأقل يقبل الظروف التي تتطلب منه فعل ذلك. وعلى سبيل المثال، كان متحفزاً لحشد الأميركيين خلف برنامجه الاقتصادي، وكان مصمماً على توجيه الاتهام إلى الاتحاد السوفييتي السابق بسبب دوره في إسقاط الطائرة الكورية التجارية، وأراد أن يطمئن الأمة عندما عانت من خسارة المكوك الفضائي «تشالنجر»، وكان متحمساً للإعلان عن ترشحه لفترة رئاسية ثانية، وكان فخوراً بمراجعة سجل إنجازات إدارته، رغم أنه كان حزيناً بعض الشيء عند إلقاء خطاب الوداع.
لكن الأمور كانت مختلفة في ليلة الرابع من مارس 1987، والتي صادفت الذكرى الـ35 لزواجه، ذلك أنه لم يكن من دواعي السرور إلقاء الخطاب الذي طال انتظاره بشأن فضيحة «إيران كونترا»، حيث باعت الإدارة أسلحة أميركية بطريقة غير قانونية إلى إيران وحولت الأرباح إلى عصابات «الكونترا» المناهضة للشيوعية في نيكاراجوا بهدف إسقاط الحكومة الشيوعية هناك. ولم يكن البيت الأبيض آنذاك مكاناً سعيداً. وكثير منّا في فريق العمل كنا مطمئنين إلى أن الرئيس سيقول ما يتعين قوله، وعلمنا أنه لم يكن الخطاب الذي أراد أو توقع إلقاءه، لكنه علم بأن عليه فعل ذلك. وتبيّن بعد ذلك أنه كان خطاباً مفصلياً في رئاسة ريجان. فبنطق الكلمات التي انتظرت الأمة طويلاً من أجل سماعها، تمكّن ريجان من طيّ صفحة «إيران كونترا».
واستغرق ريجان بعض الوقت حتى تمكن من التأكد مما حدث. ورغم أنه كان مصدوماً ومحبطاً عندما تحدث للمرة الأولى عن «إيران كونترا»، فمن المؤكد بالنسبة له أنه لم يوافق بصورة مباشرة أو غير مباشرة على ما فعله بعض الرجال الذين وثق بهم. وكان متردداً في تصديق أنهم فعلوا ذلك. ولم يصدّق تماماً حتى قرأ تقرير لجنة «تاور»، التي عينها للتحقيق فيما حدث وتقديم توصيات من أجل الأنشطة المستقبلية لمجلس الأمن القومي، وعندئذ أدرك عِظم ما حدث، وما يتعيّن عليه فعله، وعندها لم يتردد للحظة واحدة. وقد شارك بدأب في كتابة ذلك الخطاب، وهذا ما قاله:
«إنني أتحمل المسؤولية الكاملة عن تصرفاتي وتصرفات من يعملون في إدارتي. وبقدر غضبي من الأنشطة التي حدثت دون علمي، فإني أظلّ مسؤولاً عن تلك الأنشطة. وبقدر خيبة أملي في بعض من عملوا في إدارتي، فإني أظل الشخص الذي يجب عليه الإجابة عن تساؤلات الشعب الأميركي بشأن تلك السلوكيات. وبقدر استيائي الشخصي من اكتشاف حسابات مصرفية سرية وأموال محوّلة، فإنه كما تقول البحرية الأميركية، حدث ذلك في ظل إدارتي».
ولعل أكثر ما أزعج ريجان بشأن فضيحة «إيران كونترا» لم يكن ما فعله مرؤوسوه، وإن كان جنّ جنونه من صنيعهم، وإنما لأن استطلاعات الرأي أظهرت أن الشعب لم يصدّقه عندما قال مراراً وتكراراً إنه لم يكن على علم بشأن الخطة. وأدرك ريجان أنه من دون ثقة الشعب، لن يتمكن من الحكم بفاعلية، وأهم من ذلك أنه لم يستطع قبول حقيقة كونه يقول الحقيقة وبعض الناس يعتقدون أنه يكذب!
وقد نجد نقيض ذلك، إذا قارنّاه مع ما يحدث في الإدارة الحالية. فقد بات مقبولاً على نحو واسع النطاق أن الرئيس دونالد ترامب يتحاشى قول الحقيقة أحياناً، ولا يبدو مكترثاً لذلك. وقلما يقبل تحمل مسؤولية أخطائه أو أخطاء مرؤوسيه.
  وعلى مكتبه في البيت الأبيض، كانت لدى ريجان لافتة مكتوب عليها عبارة: «لا حدود لما يمكن للمرء إنجازه أو بلوغه إذا لم يكترث لمن يُنسب إليه الفضل».
ومهما يكن، يبقى ترامب هو الرئيس الأميركي، ولا يحق لنا أن نتوقع منه أن يكون مثل ريجان. لكن القول الصادق وقبول تحمل المسؤولية، وإن لم يكونا سارين أو مقبولين أحياناً، فهما من الصفات الأساسية لأي رئيس، ولنا كل الحق في أن نتوقعهما منه.

*مستشار إعلامي، عمل مساعداً خاصاً للرئيس في إدارة رونالد ريجان
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»