تطالب بنجلاديش من جديد بإقامة مناطق آمنة للروهينجا في ميانمار حتى تستطيع البدء في إعادة توطين نحو مليون لاجئ تتولى رعايتهم في منطقة «كوكس بازار». وطالبت حكومة دكا بهذا من قبل، ففي سبتمبر عام 2017، ضغطت رئيسة الوزراء البنجلاديشية الشيخة حسينة على ميانمار في هذه القضية أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة. أما الآن، فقد بدأ وزير الخارجية البنجلاديشي أبو الكلام عبد المؤمن يحشد دعم روسيا والصين والهند وأيضا «منظمة التعاون الإسلامي» محاولاً استغلال نفوذهم لإقناع ميانمار بإنشاء مناطق آمنة داخل أراضيها.
وهذا المسعى لا يسمن ولا يغني من جوع. فليس من مصلحة ميانمار إقامة مناطق آمنة والصين وروسيا منعت بالفعل عرض أي من هذه المناشدات على مجلس الأمن الدولي. كما أن المسعى لا يبشر بخير. وسيتضح لبنجلاديش، في نهاية المطاف، أن ميانمار لا ترغب في إعادة أي من اللاجئين الروهينجا. والواقع أن كل الجهود الدبلوماسية لحكومة ميانمار المدنية تمثل وسيلة للإرجاء حتى يلتفت المجتمع الدولي إلى أزمة أخرى.
وتميزت استجابة بنجلاديش لتدفق اللاجئين الروهينجا منذ منتصف عام 2017 بالشهامة بصفة عامة. وسياسة بنجلاديش المحلية بشأن اللاجئين مسألة صعبة دوما لأن البلاد فقيرة وكثيفة السكان. ومعظم البنجلاديشيين يتعاطفون مع محنة لاجئي الروهينجا لكنهم قلقون على مستقبلهم. ولا يستطيعون تقريبا تخيل كيف يمكنهم أن يعتنوا باللاجئين. وهذا دفع السياسيين المحليين إلى تشديد موقفهم تدريجيا تجاه اللاجئين في العامين الماضيين ليتوج هذا بإعلان أمام مجلس الأمن الدولي في غرة مارس مفاده أن بنجلاديش لن تستقبل المزيد من اللاجئين من ميانمار.
ومن جانبها «احترمت» ميانمار اتفاق إعادة التوطين من بنجلاديش ببناء ما يطلق عليه مخيمات الانتقال للاجئين العائدين وهي تشبه معسكرات التصفية في الحرب العالمية الثانية وتحيطها أسلاك شائكة وأسوار عالية وأمن يوفره الجيش نفسه، الذي نفذ أصلاً «عمليات التطهير» قبل عامين. والحمد لله أن هذه المعسكرات خاوية الآن لأن الروهينجا ترفض ترك المخيمات الآمنة في بنجلاديش والذهاب إلى معسكرات الاعتقال تلك في ميانمار. ووضع اللاجئين الروهينجا في المخيمات حول «كوكس بازار» حساس للغاية، فهم ربما يفضلون العودة إلى أرض أسلافهم، لكنهم لن يفعلوا ذلك حتى يجري ضمان حصولهم على الجنسية الكاملة والحقوق المتساوية وفقا للقانون الدولي.
وميانمار غير مستعدة لتقبل أي من هذه المطالب رغم وجاهتها الأخلاقية والقانونية. بل تعرض تنظيم وضعية الروهينجا لتجعل منهم مواطنين من الدرجة الثانية يحملون بطاقات هوية. وللحصول على هذه الوثائق يتعين على الروهينجا القبول بوضعية «الأجنبي» في الأرض التي ولدوا عليها متنازلين بذلك عن مطالباتهم القانونية بالحصول على وضعية متساوية. وما يحتاجه الروهينجا هو ما يقر لهم به القانون الدولي وهو الحقوق المتساوية أمام القانون في بلادهم بالميلاد. وهذا يتضمن الجنسية الكاملة وحرية الحركة هذا بالإضافة إلى العدل والمحاسبة على الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت بحقهم.
ولن توفر المناطق الآمنة أيا من هذه الضمانات. و«المناطق الآمنة» لن تحقق شيئاً غير أن تجعل من الروهينجا أهدافاً سهلة وتحت رحمة أشخاص يعتقدون أنهم يجب ألا يكونوا موجودين في ميانمار أصلاً. ولذا يجب على الروهينجا أن يظلوا في ضيافة بنجلاديش لأن هذا يجعلهم آمنين نسبيا. والذي لا يمكن توقعه هنا هو تغير الأحوال الداخلية في بنجلاديش والصين. فالصين تقيم جزءا من مبادرة «الحزام والطريق» عبر ميانمار في مناطق بالقرب من مناطق الروهينجا القديمة وهو مشروع سيضع ميانمار بسهولة تحت جناح الصين.
وهذا يعني أن بكين حين تقرر أن مصالحها في بنجلاديش ستكون أفضل إذا أيدت إعادة توطين الروهينجا في ميانمار، فهذا قد يضغط على نايبيداو كي تقبل إعادة توطين لاجئي الروهينجا بالقوة في معسكرات الاعتقال التي أقامتها حكومة ميانمار والتي أبلغت المجتمع الدولي بأنه يسعدها استقبال اللاجئين فيها. والواقع أن السلطات في ميانمار تعلم تماما أن الروهينجا لن يعودوا طوعا ما لم تتحقق مطالبهم.
ومازال «كوكس بازار» يمثل ملاذا آمنا للروهينجا، لكن ليس من المستحيل وقوع تطورات قد «ُتحفز» الروهينجا على العودة إلى ميانمار بالسعي إلى خلق بعض الأنواع من البيئة المعادية في مخيمات اللاجئين وحولها. ولذا يتعين على المجتمع الدولي التيقظ لحقيقة أن الوضع يسير في منحى أسوأ فيما يبدو ويجب أن يتدخل لمساعدة بنجلاديش على إعالة اللاجئين ومكافأتها على حسن صنيعها حتى الآن.
*عظيم إبراهيم

*مدير «مركز السياسة العالمية» البحث ومؤلف كتاب «الروهينجا: داخل التطهير العرقي في ميانمار»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»