مع بدء حملة انتخابات 2020 الرئاسية، سمعنا عن «الصفقة الجديدة الخضراء»، و«مديديكير» للجميع، وتفكيك شركة أمازون، وتخصيص دخل أساسي للجميع... كأمثلة على بعض الأفكار التي طرحها مرشحون رئاسيون «ديمقراطيون»، ولكن موضوعاً واحداً كان غائباً إلى حد كبير، ألا وهو السياسة الخارجية – إمكانية استخدام القوة، وتنافس القوى الكبرى، وإدارة التحالفات التي ستكون أهم خلال الرئاسة السابقة مما كانت عليه خلال ثلاثة عقود.
وربما لم أنتبه، ولكنني لم أسمع أياً من المرشحين «الديمقراطيين» يقول عن نفسه إنه الشخص الأفضل للرد على خط الأزمات في البيت الأبيض في الساعة الثالثة صباحاً. ويبدو أن جميعهم يميلون إلى ترك المكالمة تذهب إلى البريد الصوتي. ولكنني آمل ألا يدوم هذا طويلًا، لأن الهاتف سيرن. وهذا سيكون عهداً مربكاً ومتقلباً على نحو استثنائي بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية.
إننا نعيش عصر بعد ما بعد الحرب الباردة – عهد أصبحت فيه مهام منصب وزير الخارجية، ناهيك عن منصب الرئيس، وظيفة صعبة للغاية. وإذا كان عهد ما بعد الحرب الباردة قد كانت له مشاكله – 11 سبتمبر، العراق، أفغانستان – فإنه كان من عدة نواح عصراً جميلاً تُخمد فيه قوةٌ أميركية مهيمنة أي نزاع خطير بين القوى الكبرى.
أما مرحلة بعد ما بعد الحرب الباردة، التي تتكشف تدريجياً منذ أوائل هذا القرن، فتتطلب رئيساً قادراً على إدارة ثلاثة اتجاهات جيوسياسية ضخمة والتعامل معها في الوقت نفسه.
الأول هو صعود ثلاث قوى إقليمية كبرى: روسيا والصين وإيران. قوى تسعى كل واحدة منها للهيمنة على إقليمها ومستعدة لاستخدام القوة في سبيل ذلك. هذا الاتجاه يصفه على نحو رائع كتابٌ جديد لمايكل ماندلبوم، أستاذ السياسة الخارجية الأميركية الفخري بجامعة جون هوبكينز، بعنوان «صعود السلام وسقوطه في العالم».
ومثلما يلفت إلى ذلك ماندلبوم، ففي أوروبا، قامت روسيا باحتلال جزء من أوكرانيا. وفي شرق آسيا، هناك نزاعات حول سيادة الصين على معظم غرب المحيط الهادي. وفي الشرق الأوسط، درّبت إيران قوات وكيلة في لبنان وسوريا والعراق واليمن وموّلتها، كما سعت إلى حيازة أسلحة نووية.
وإذا كان الاتجاه الأول يتطلب رئيساً قادراً على إدارة القوة – قوتنا وقوة روسيا والصين وإيران – فإن الاتجاه الثاني سيتطلب مهارة في إدارة الضعف. ذلك أننا سنرى عدداً متزايداً من الدول الضعيفة – مثل فنزويلا وليبيا وغواتيمالا والسلفادور وهندوراس والعديد من البلدان في أفريقيا جنوب الصحراء – التي تنهار أو تعرف نزيفاً سكانياً لأنها غير قادرة على إدارة الضغط الناجم عن تغير المناخ، والانفجار السكاني، وانهيار الأنظمة البيئية، والتسارع الكبير في العولمة والتكنولوجيا.
وإذا كنت تعتقد أن إدارة القوة صعب، فربما عليك أن تجرّب إدارة الضعف – جرّب محاولة إصلاح بلدان منكسرة وإعادتها إلى الوضع الذي كانت عليه. إنه قطعة من الجحيم. ولكن ذلك سيمثل تحدياً كبيراً للرئيس المقبل، لأن الهجرات الجماعية للناس من هذه الدول الفاشلة والمضطربة إلى مناطق الأمن والنظام-وهو ما يحرّك الأزمات الحدودية الأميركية والأوروبية الحالية- لن تزول.
أما بالنسبة للاتجاه الثالث، فسيتعين على الرئيس المقبل ألا يتعامل مع القوى العظمى المنافسة والفوضى فحسب، ولكن أيضاً أفراداً ومجموعات صغيرة جد قوية، وذلك بالنظر إلى كيف بات تسارعُ التكنولوجيا يضع أدواتٍ صغيرة ورخيصة وقوية على نحو لا يصدق – من أجل الحرب السيبرانية، وقرصنة الانتخابات، والقرصنة المالية – في أيدي وحدات صغيرة، مما يوسّع مساحة هجماتها بشكل كبير.
هذه الأدوات السيبرانية تزداد جميعها سرعة ورخصاً وعمقاً، أي أنها تستطيع أن تغوص عميقاً في شركتك، أو بريدك الإلكتروني، أو انتخاباتك، أو شبكتك الكهربائية، أو حسابك البنكي – كل يوم. وهذا يجعل استخدامها كسلاح أكثر سهولة من قبل وحدات صغيرة (مثل كوريا الشمالية) وأفراد حتى تكون لها تأثيرات كبيرة جداً من خلال «التزوير العميق» و«المراقبة العميقة»، و«السرقة السيبرانية العميقة».
وهو ما يعيدنا إلى أطروحة كتاب «صعود السلام وسقوطه في العالم». فعودة التنافس بيننا والصين وورسيا وإيران يعني أنه بدلاً من حصولنا على تعاونها «في محاولة إدارة فشل الدول والتسونامي التكنولوجي، تعمل ثلاث دول تريد تغيير الوضع القائم وجعل الأمر أكثر سوءاً»، كما قال لي ماندلبوم، مضيفاً: «روسيا وإيران تزعّمتا تدمير سوريا، فأنتجتا سيلاً من اللاجئين تسبب في زعزعة استقرار أوروبا، من بين أشياء أخرى. كما قام هؤلاء الثلاثة جميعهم بتحويل التكنولوجيا الجديدة إلى سلاح، وقرصنة الولايات المتحدة وأوروبا و- في حالة روسيا - التدخل في الانتخابات الأميركية».
وعليه، فليستعد الجميع: فعهد نزاع القوى العظمى حل، وعهد السعي الأميركي لنشر الديمقراطية قد رحل. ولهذا، فنحن في حاجة لحلفاء أكثر من أي وقت مضى، لأن عددهم الآن أقل من أي وقت مضى، ثم إننا نعيش عهداً بات يستطيع فيه شخص في مولدوفا يملك هاتفاً متحركاً وبعض الأدوات السيبرانية إغلاقَ الشبكة الكهربائية في ولاية مونتانا الأميركية.
وعليه، فلا غرو أن لا أحد من المرشحين «الديمقراطيين» يريد أن يتفاخر بأنه الشخص الأفضل والأنسب للرد على خط الأزمات في البيت الأبيض في الثالثة صباحاً، إنهم جميعهم يفضلون تركه يرن على أمل أن يكون الرقم خطأ.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/03/12/opinion/foreign-policy-crisis-democrats-2020.html