تنتهي اليوم فعاليات النسخة الثانية من «مؤتمر الفضاء العالمي» والذي نظمته «وكالة الإمارات للفضاء» تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي. ويُعد هذا المؤتمر أكبر تجمع لقادة القطاع الفضائي تستضيفه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث شهد المؤتمر على مدار 3 أيام حضور أكثر من 15 من رؤساء أهم وكالات الفضاء حول العالم، إلى جانب مديرين تنفيذيين من شركات رائدة في مجال الفضاء والطيران، فضلاً عن ممثلي الهيئات والمنظمات والمؤسسات الحكومية، وأبرز الباحثين والأكاديميين. وناقش المؤتمر السياسات والاستراتيجيات المرتبطة بالقطاع، وأبرز المشاريع الفضائية، إضافة إلى استعراض أحدث ما وصلت إليها تكنولوجيا استكشاف الفضاء، وسُبل تطوير الكوادر المؤهلة لقيادة القطاع.
ويأتي تنظيم هذه الفعالية الدولية الهامة على خلفية تزايد الاهتمام العالمي بما يعرف باقتصاد الفضاء (Space Economy)، أو الاستغلال التجاري والاقتصادي للمصادر الطبيعية خارج حدود كوكب الأرض. ويتضح حجم ومدى هذا الاهتمام من حقيقة أن حجم الاستثمار في الاقتصاد الفضائي عام 2010 بلغ أكثر من 50 مليار دولار (185 مليار درهم)، كما أن 30 في المئة من الرحلات الفضائية في نفس العام كانت لأغراض تجارية بحتة.
ويعود تاريخ أول استغلال تجاري للفضاء إلى عام 1962، مع إطلاق القمر الاصطناعي (تلستار1)، والذي استخدم حينها لنقل إشارة البث التلفزيوني عبر المحيط الأطلنطي، من القارة الأوروبية إلى الولايات المتحدة، بالإضافة أيضاً إلى المكالمات الهاتفية، ورسائل الفاكس، وباقي أنواع البيانات والمعلومات.
وحتى يومنا هذا، لا زال إطلاق الأقمار الاصطناعية -والتي تعددت وتنوعت استخداماتها بشكل هائل- يشكل جزءاً لا يستهان به من الاستغلال التجاري للفضاء، حيث يقدر أن حجم صناعة إطلاق الأقمار الاصطناعية والتي تندرج تحت قطاع (النقل الفضائي) بأكثر من سبعة مليارات دولار سنوياً. وحالياً تزيد عمليات إطلاق الأقمار الاصطناعية السنوية الممولة من القطاع الخاص، عن عمليات الإطلاق الممولة من قبل الحكومات والمنظمات الرسمية.
ويتبع عمليات إطلاق الأقمار الاصطناعية تلك، نشاطات اقتصادية متعددة ومتنوعة هي الأخرى، مثل نقل البث التلفزيوني بين الدول والقارات، وما يتبع ذلك من اشتراكات شهرية يدفعها المستهلكون، واستخدام نظام تحديد المواقع «جي. بي. إس»، والمتعدد التطبيقات الشخصية، والاقتصادية، والعسكرية، والملاحية، بالإضافة إلى العديد من النشاطات الاقتصادية التي تعتمد اعتماداً أساسياً على الأقمار الاصطناعية ولن يتسع المجال لذكرها هنا.
ويأمل الكثيرون أن يتوسع مدى ونطاق قطاع النقل الفضائي ليشمل ما أصبح يعرف بـ(السياحة الفضائية)، أي السفر بالأشخاص العاديين إلى الفضاء الخارجي، لغرض النزهة والمتعة الشخصية، أو العائلية. وتتواجد بالفعل حالياً عدة (مطارات فضائية) تُهيأ نفسها وتستعد لهذه الحقبة القادمة، معظمها موزع على ولايات أميركية، مثل كاليفورنيا، وأوكلاهما، ونيومكسيكو، وفرجينيا، وألاسكا، بالإضافة إلى مطار فضائي في مدينة «كرونا» شمال السويد على مقربة من القطب الشمالي، ومطارات فضائية في بعض الدول الأخرى.
وربما كان من أكثر الاستغلالات التجارية المستقبلية والاستشرافية للفضاء، هو المجال المعروف بتعدين الفضاء (Space Mining)، وبالتحديد تعدين الكويكبات والمذنبات. وتهدف هذه العمليات إلى تعدين المعادن الثمينة، مثل الذهب، والفضة، والإيرديوم، والبلاتينيوم، والتنجستن، وغيرها، ومن ثم جلبها إلى الأرض لاستخدامها في الأغراض الصناعية الموجهة لتلبية الاحتياجات البشرية. وعلى المنوال نفسه، تهدف بعض هذه العمليات لتعدين معادن غير نفيسة، مثل الحديد، والمغنيسيوم، والكوبالت، والألومنيوم، واستخدامها لبناء محطات فضائية خارجية، ومستعمرات بشرية على الكواكب الأخرى. ويوجد بالفعل بعض الشركات التي تأسست لهذا الغرض، مثل شركة «المصادر الكوكبية» (Planetary Resources)، وشركة «صناعات الفضاء العميق» (Deep Space Industries)، وإن كانت هذه الشركات قد واجهت صعوبات مالية، وتم الاستحواذ على بعضها من قبل شركات أخرى، نتيجة أن تكنولوجيا الفضاء المتاحة حالياً لن تمكنها من تحقيق أهدافها تلك في المستقبل القريب، وهو ما أدى إلى عزوف المستثمرين عن المخاطرة بأموالهم فيها.
وجدير بالذكر هنا أن هذا الاستعراض السريع لاقتصاد الفضاء، لا يكفيه حقه، كونه مجالاً واسعاً ومتنوعاً، بالإضافة إلى أنه ينتج عنه ما يعرف بالاقتصاد المُصاحب، أي النشاطات الاقتصادية، والصناعية، والتكنولوجية، التي تخدم اقتصاد الفضاء بشكل مباشر، ولكن ينتج عنها اختراقات علمية، وتطورات تكنولوجية، تصب في قطاعات اقتصادية أخرى، مثل قطاع الرعاية الصحية، والذي استفاد كثيراً من تطبيقات تكنولوجيا الفضاء، بعد نقلها وأقلمتها للاستخدام في العديد من أجهزة التشخيص وأساليب العلاج الحديثة.