«إنه معدل الولادات. إنه معدل الولادات. إنه معدل الولادات». بهذا يبدأ بيان مطلق النار المفترض في مسجد نيوزيلاندا. البيان نفسه عنوانه «الاستبدال الكبير»، وهي إشارة إلى نظرية لليمين المتطرف مفادها بأن الهجرة والاختلافات في معدلات الولادة ستتسببان في الاستبدال التدريجي للسكان البيض بالسكان غير البيض.
والواقع أنني تعودت على هذا النوع من الحجج، بوصفي باحثة في علم الديمغرافيا. فالتخصص الأكاديمي المعاصر للديمغرافيا أُسس في وقت كانت تشكِّل فيه الهجرة، وانخفاض معدلات الولادة بين الأغنياء والبيض، وما تعنيه هذه الاتجاهات بالنسبة لـ«صحة» سكان المستقبل، تخوفات رئيسة بالنسبة للإصلاحيين الليبراليين والمثقفين على حد سواء.
ولكن الطريقة التي يتحدث بها علماء الديموغرافيا المعاصرون والمنابر الرئيسة التي تغطي هذه المواضيع حول السكان ما زالت تساهم في سرديات «الاستبدال الكبير». وهناك علماء ديموغرافيا آخرون يتفقون مع هذا الطرح: ففي أعقاب هجوم الجمعة، بدأ علماء في علم السكان، على تويتر، التنسيق لمناقشة ما هي الأمور التي قد تحتاج لتغيير. وقد ننظر عادة إلى بحوثنا على أنها محايدة أيديولوجيا، ولكن الحقيقة هي أنه إذا كنا نريد تجنب إعطاء العنصريين القتلة غطاءً علمياً، فعلينا أن نعيد التفكير بشأن كيفية حديثنا عن معدلات الخصوبة وتغير التركيبتين العرقية والإثنية للسكان.
«خصوبة من دون مستوى الإحلال» مصطلحٌ تقني يعني إجمالي معدل خصوبة أقل من حوالي 2.1 طفل لكل امرأة، وهو العدد المطلوب حتى «يستبدل» تماماً كل جيل نفسه عددياً. وهو مناسب لتلخيص الخصوبة في رقم عدد واحد، ولكن إجمالي معدل الخصوبة نظام قياس معقد،
بيد أن حقيقة أن معظم البلدان النامية تشهد خصوبة دون مستوى الإحلال تحظى بتغطية إعلامية واسعة، وتقدَّم على أنها مشكلة كبيرة بالنسبة لبلدان مثل الصين وولايات مثل فيرمونت. وبالنظر إلى أن هذه تبدو اتجاهات طويلة المدى، فإنه ينبغي على علماء الديموغرافيا أن يكونوا أكثر وضوحاً بكثير بشأن العواقب الحقيقية للنمو السكاني السلبي، وأسباب تقلص عدد السكان، وكيفية التكيف مع هذه الاتجاهات.
والواقع أن انخفاض الخصوبة وتراجع عدد السكان يؤديان بشكل عام إلى شيخوخة السكان ونسبة أكبر من المسنين مقارنة مع السكان الذين في سن العمل. وهذا يجعل من الصعب تمويل أنظمة التقاعد، ويمكن أن يبطئ النمو الاقتصادي.
غير أن الطريقة التي نتحدث بها عن معدلات الولادة تركز على صور وتعبيرات مجازية أكثر لفتا للانتباه: «انخفاض مفاجئ» في الخصوبة، أو «تهاوي» معدلات الولادات، أو «منحدر ديموغرافي». والحقيقة هي أن معدلات الخصوبة مستقرةٌ نسبياً في معظم العالم المتقدم، كما أننا بعيدون عن معدلات الولادات المنخفضة جداً أو أحجام السكان الصغيرة التي قد تطرح تهديدات وجودية لمستقبلنا. ونظراً لذلك، فإن من المهم أن نفهم ونشدد على أن انخفاض الخصوبة مشكلة اقتصادية، وليست حضارية، وتجنب تحويلها إلى أزمة.
أما المشكلة الثانية، فهي الطريقة التي نتحدث بها عن التركيبة السكانية مستقبلاً. ولعل أبرز مثال لهذا في الولايات المتحدة هو تغطية عهد «الأغلبية- الأقلية» المقبل، عندما سيفوق عدد السكان الملونين عدد الأميركيين البيض غير اللاتينيين. فخطاب (الأغلبية- الأقلية) يستخدم نسخة إقصائية جداً للبياض تضع البيض غير اللاتينيين في مقابل كل المتبقين. والحال أن هذه الصيغة تتجاهل حقيقة أنه، حتى تحت هذا التعريف الإقصائي، سيظل البيض يشكلون مع ذلك المجموعةَ العرقية الأكبر في أميركا لعقود مقبلة عدة.
ولكن المشكلة هي أن تقديم الأمر على هذا النحو يعزز ويرسخ ضمنياً فكرةَ أن الهيمنة العددية للبيض على الأشخاص الملونين شيءٌ عادي ومطلوب. وعلاوة على ذلك، وعلى غرار النوع الساعي وراء الإثارة من تغطية معدلات الولادة، فإنه يوفّر وقوداً لـ«عقلية بقاء الأصلح» التي وراء تقف وراء نظريات مؤامرة مثل «الاستبدال الكبير» وإبادة البيض. ومن واجب الباحثين والمتخصصين في علم السكان تجاه العالم، وتجاه أنفسنا كتخصص، أن نتحدث عنه على نحو لا يضفي شرعية حجاجية وعلمية على أفكاره. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»