يوم الجمعة الخامس عشر من مارس الجاري، في مدينة كرايست تشرتش، بنيوزيلندا، قُتل أكثر من 50 مصلياً مسلماً على يد أسترالي واحد من «العنصريين البيض». هذا الأخير قام بتصوير أعمال القتل التي ارتكبها بوساطة كاميرا متحركة ونشر الفيديو على الإنترنت. وقبل هذه الجريمة، كان قد نشر بياناً عبّر فيه عن كراهيته تجاه الأشخاص «غير البيض»، وأوضح فيه أنه طّور أفكاره بعد دراسة هجمات مماثلة نفذها عنصريون بيض في النرويج والولايات المتحدة. وكان ذلك أسوأ عمل عنيف في تاريخ نيوزيلندا.
حتى تلك اللحظة، كان العديد من الأميركيين يفكرون في إمكانية الهجرة إلى نيوزيلندا نظراً لما تتمتع به من سمعة جيدة كبلد جميل وودود وغير عنيف، وبعيداً جداً عن اضطرابات بقية العالم. غير أنه بات من الواضح الآن أن آفة الإرهاب عالميةٌ، وأنه لا توجد مجموعة دينية أو إثنية في مأمن منه، وخاصة بالنظر إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي المتنامية وانتشارها.
ومما لا شك فيه أن أحد العناصر التي تغذّي الإرهاب هو التأثير الذي تتركه الهجرةُ غير الشرعية على البلدان عبر العالم، والدعاية الواسعة التي تُعطى لحجمها، لاسيما في أوروبا وأميركا الشمالية. ولعله من المفيد الإشارة هنا إلى أنه ربما أهم موضوع في حملة دونالد ترامب الانتخابية في عام 2016، وفي مخططاته لإعادة انتخابه في عام 2020، هو ذاك الذي يركز على مشكلة الحدود مع المكسيك وادعائه بأن الولايات المتحدة تواجه حالة طوارئ بسبب تدفق المهاجرين غير الشرعيين. وبالمقابل، يقول خصوم ترامب إن شيطنته للمهاجرين، وخاصة المسلمين واللاتينيين من أميركا الوسطى والجنوبية، تساعد على تغذية نظريات المؤامرة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تُفهم من قبل العنصريين البيض على أنها دعوة للتحرك ضد المهاجرين أو المجموعات الإثنية غير البيضاء.
بيد أن الأوضاع أكثر سوءاً هي تلك القائمة في أوروبا، حيث كانت لردود الفعل على الهجرة تداعيات عميقة على المشهد السياسي الأوروبي، بل وحتى على مستقبل الاتحاد الأوروبي نفسه. وعلى سبيل المثال، فإن المشهد السياسي في أوروبا الشرقية السابقة، وخاصة في المجر وبولندا، مال إلى اليمين بسبب الخوف من هجرة المسلمين. كما أن ثمة مخاوف مماثلة في النمسا وألمانيا وهولندا والدانمارك والسويد، وبالطبع في فرنسا التي يوجد فيها حزب قائم بذاته مناوئ للمهاجرين تقوده مارين لوبين. وفضلاً عن ذلك، فإن الفوضى والغضب الموجودين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة غُذيا جزئياً بوساطة المخاوف من الهجرة بكل أنواعها، بما في ذلك التنقل القانوني للأشخاص إلى المملكة المتحدة من دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي.
والحقيقة أن المواقف المعارضة للمهاجرين كانت تاريخياً جزءاً من الخطاب الرسمي لمعظم البلدان الغربية. وعلى سبيل المثال، فإن المستوطنين الأوائل في أميركا الشمالية، ومعظمهم من بريطانيا، كانوا ضد موجات كبيرة للمهاجرين إلى «العالم الجديد» من ألمانيا وإيرلندا وإيطاليا، ولليهود الفارين من روسيا القيصرية. كما أنه كان محظوراً على المهاجرين الصينيين بحكم القانون الهجرة إلى الولايات المتحدة في ظل «قانون استبعاد الصينيين» الذي وقعه الرئيس الأميركي تشيستر آرثر. وبعد هجوم اليابان على قاعدة «برل هاربر» الأميركية في 7 ديسمبر 1941، أمر الرئيس فرانكلن روزفيلت بوضع كل اليابانيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة، بما في ذلك أولئك الذين ولدوا على أرضها، في معسكرات خاصة طيلة فترة الحرب. على أن مجموعة واحدة من «المهاجرين» كان مرحباً بها في الأميركيتين خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وهي الأفارقة الذين كانوا يُشحنون بالقوة إلى العالم الجديد عبر المحيط الأطلسي كعبيد.
والواقع أن كل هذه الخلفية التاريخية معروفة من قبل المؤرخين، لكن الجديد اليوم هو التأثير الاستثنائي للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في توفير أمثلة فورية ومصورة للخطاب المناوئ للمهاجرين، وفي الدعوة الموازية للعنف التي ترافقه في كثير من الأحيان. ومع توافر كثير من المواد على الإنترنت، وجد مزودو الخدمات الكبار، مثل «غوغل» و«فيسبوك»، صعوبة في مراقبة المواد التي تُنشر على مواقعهم. وعلى سبيل المثال، فإن مئات الآلاف من التنزيلات المتعلقة بالمذبحة التي ارتُكبت في كرايست تشرتش كانت متوافرة ومتاحة قبل أن يتسنى حذفها. وحالما يشاهَد الفيديو ويتم تنزيله، يصبح متاحاً على المواقع المظلمة الكثيرة التي تغذّي العنفَ والكراهية اللذين يُعدان المكوّن الرئيسي لهذه المواقع.
والحاصل أنه إلى حين إيجاد طريق متفق عليها لمراقبة مثل هذه المواد على شبكة الإنترنت، فإن انتشار هذه المواقع سيستمر. أما كيف يمكن حماية حرية التعبير وفرض رقابة عليه في الوقت نفسه، فهذا واحد من أصعب المواضيع سياسياً التي تواجه المجتمع اليوم.