في محاولة للالتفاف على العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، توجّه الرئيس الإيراني حسن روحاني للعراق، الاثنين الماضي، في زيارة رسمية استغرقت ثلاثة أيام، بهدف دعم نفوذ إيران وتعزيز علاقاتها التجارية مع العراق.
وجاء توقيت الزيارة في ظل ركود اقتصادي إيراني يتفاقم بمرور الأيام، وقد رافق روحاني خلالها وفد اقتصادي ومالي. وكان وزير الخارجية ظريف قد زار العراق في يناير الماضي، وتوصل إلى تفاهمات مشتركة تمحورت حول زيادة التعاون النفطي، ومناقشة العقوبات الأميركية، خصوصاً المالية، وسبل تفاديها، بما لا يؤثر على علاقات البلدين.
يبلغ حجم التبادل التجاري بين إيران والعراق 12 مليار دولار، وتطمح طهران لزيادته إلى 20 مليار دولار خلال العامين القادمين، لكن الحكومة العراقية تحاول جاهدة موازنة علاقاتها مع كل من الولايات المتحدة وإيران. فمنذ إعادة الولايات المتحدة تفعيل عقوباتها على إيران بعد انسحابها من الاتفاق النووي في مايو 2018 ودخول العقوبات على قطاع الطاقة الإيراني حيز التنفيذ في نوفمبر من نفس العام، يواجه العراق ضغوطاً كبيرة من واشنطن للحد من الروابط الاقتصادية مع إيران. لكن العراق يعتمد بشكل كبير على إيران في إمداداته من الغاز الطبيعي والطاقة الكهربائية. وبناءً على الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية فإن الكهرباء والغاز الإيرانيين يخضعان لهذه العقوبات، مع مهلة إعفاء مؤقتة للعراق، قد تنظر الولايات المتحدة في مسألة تجديدها بعد نحو شهر من الآن. وقد تم منح العراق هذه المهلة لإيجاد بدائل عن الكهرباء والغاز الإيرانيين، والمرجح أنه سيطلب تمديد إعفائه مجدداً، إذ أن ثلث إنتاج العراق من الكهرباء يعتمد على الواردات الإيرانية. فالعراق لا يزال بحاجة لمزيد من الوقت للاستغناء عن إيران، والأرجح أن توافق واشنطن على إعطاء الأولوية للاستقرار الأمني والسياسي في العراق، إذ تخشى الحكومة العراقية تكرار الاحتجاجات غير المسبوقة التي شهدتها البصرة الصيف الماضي.
لا يمكن عزل الزيارة عن المشروع الإيراني للوصول إلى شواطئ البحر المتوسط. المشروع الذي يستهدف إنشاء ممر بري يمتد من إيران إلى العراق ثم شمال شرق سوريا، وينتهى بميناء اللاذقية على البحر المتوسط. وقد تضمنت اتفاقيات الجانبين في مجال النقل وسكك الحديد إنشاء خط سكة حديدية يربط مدينة البصرة بمنفذ شلمجه الحدودي، على أن يمتد لاحقاً إلى ميناء اللاذقية السوري على البحر المتوسط. وكانت إيران قد دشنت في مطلع العام طريقاً سريعاً بين مدن كرمانشاه وبيستون وحميل، في إطار مشروع لربطها بسوريا عبر العراق. وتعمل إيران على تنفيذ سكة حديد تربطها بسوريا عبر العراق أيضاً.
وتشير الاتفاقيات التي وقعها الجانبان خلال زيارة روحاني إلى حرص طهران على تدشين «الكوريدور الإيراني» إلى المتوسط. ويتوقع أن تعمل إيران على تغيير الطبيعة الديموغرافية للمناطق التي يمر بها الطريق في سوريا وتأمينها عن طريق الميليشيات العراقية الموالية لها. لذا أعطى الرئيس الإيراني خلال زيارته أولوية لقرار الرئيس الأميركي بقاء جنود بلاده في العراق بعد قوله إن استمرار الوجود العسكري الأميركي بالعراق يهدف لمراقبة إيران وأنشطتها الضارة بالمنطقة.
وعلاوة على بعدها الاقتصادي، كان الهدف الآخر لزيارة روحاني إيصال رسالة إلى واشنطن مفادها أن العراق سيبقى ساحة للنفوذ الإيراني، في الوقت الذي تحاول فيه بغداد الحفاظ على التوازن الضروري في علاقاتها الخارجية.