يحبذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب التباهي بازدهار اقتصادي مفترض. وهكذا يفعل السياسيون الجمهوريون. وقد ألِف بعض الصحافيين هذه العادة أيضاً، فيبالغون في قوة النمو الاقتصادي، لأنه يبدو قصة جيدة. لكن إليكم الحقيقة: ليس هناك ازدهار اقتصادي، فالاقتصاد الأميركي يراوح مكانه منذ الأزمة المالية العالمية التي انتهت عام 2010، وما يزال نمو إجمالي الناتج المحلي دون عتبة الـ3? منذ ذلك الحين، والـ3? ليست حاجزاً شديد الارتفاع!
ومرّة تلو الأخرى، بالغ المسؤولون في مجلس الاحتياطي الفيدرالي في مدى سرعة نمو الاقتصاد. ودأبوا على مراجعة توقعاتهم بتقليلها، ليكتشفوا أنهم لم يقللوها بما يكفي. أما خبراء الاقتصاد في «وول ستريت» وجهات أخرى في القطاع الخاص، فارتكبوا الأخطاء ذاتها.
وبمرور الوقت، تزايدت الفجوة بين توقعات الخبراء وأداء الاقتصاد. وكان الاقتصاد الأميركي سيصبح أكبر اليوم بنسبة 6?، بإنتاج مزيد من السلع والخدمات خلال العام الماضي بقيمة 1.3 تريليون دولار، لو أن التوقعات صدقت.
قبل بضعة أعوام، بدأ لورنس سامرز، الخبير الاقتصادي ووزير الخزانة الأسبق، استخدام مصطلح «الركود المزمن» لوصف المشكلة. وتعود صياغة المصطلح إلى زمن الركود الكبير، وهو يصف اقتصاداً لم يتمكن حتى الآن من التحسن.
وعندما قدم «سامرز» طرحه للمرة الأولى في عام 2013، وصفه بعض الخبراء الآخرين بالتشاؤم. لكن إخفاقات النمو المتكررة خلال السنوات الأخيرة تشي بأنه كان محقّاً.
وهناك سببان رئيسان لهذا الركود المزمن؛ الأول: هو «جلطة المدخرات»، فالأميركيون يدخرون أكثر مما ينفقون، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الأثرياء الآن يحصلون على قدر كبير من إيرادات الاقتصاد. والأثرياء لا ينفقون حصة كبيرة من دخلهم مثل الطبقة الفقيرة أو المتوسطة.
والسبب الثاني: هو تباطؤ الاستثمار. فرغم كل تلك المدخرات المتوافرة، فإن الشركات تُحجم عن الاستثمار، لأنها لا تحتاج للاستثمار في مشاريع جديدة من أجل تحقيق أرباح!
وإلى جانب ضعف المنافسة، ينبع تراجع الاستثمار إلى ما يصفه «سامرز» بتفتيت الاقتصاد. فالمطورون لا يبنون كثيراً من المتاجر ومراكز التسوق، لأن البضائع تأتي مباشرة من المخازن إلى المنازل. ولا تحتاج المكاتب إلى مساحات تخزين كبيرة. وحلت الهواتف الذكية ليس فقط محل أجهزة الكمبيوتر، ولكن أيضاً محل الكاميرات والسماعات والكتب وغيرها من الأشياء.
وقانون الضرائب الذي أقرّه ترامب العام الماضي مثال مفيد، فهو محاولة عملاقة لزيادة انعدام المساواة في الدخل. غير أن القانون ضخّ -رغم ذلك- أموالاً طائلة في شرايين الاقتصاد العام الماضي، بفضل التخفيضات الضريبية المؤقتة للطبقتين المتوسطة والفقيرة. وعندئذ تماشى النمو الاقتصادي أخيراً مع توقعات خبراء الاقتصاد. فنما الاقتصاد بنسبة 2.9? خلال 2018. لكنه لسوء الحظ نمو مؤقت.
إن أفضل سياسة رداً على ذلك التباطؤ ستكون البدء بتخفيضات ضريبية تركز على أغلبية الأميركيين، وليس الأثرياء فحسب. وثمة أيضاً أساليب أخرى كثيرة لمواجهة الركود المزمن، من بينها مشاريع البنية التحتية لدفع عجلة الاستثمار، ووقف محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، وهو ما سيؤدي إلى استثمارات جديدة، وبرامج حماية اجتماعية أقوى، بما في ذلك الضمان الاجتماعي، لتقليص تخمة المدخرات، إلى جانب سياسات مكافحة الاحتكار. وفي هذه الأثناء، على البنك المركزي الأميركي أن يتوقف عن ارتكاب الخطأ ذاته بالمبالغة في معدلات النمو والتضخم.

ينشر بترتيب مع خدمة «نيويورك تايمز»