أكتب مقالي هذا من ولاية آيوا الأميركية، حيث كنت أتحدث إلى جمهور من النشطاء وأساعد في تشكيل ائتلاف «سكان آيوا المعنيين بالسلام في الشرق الأوسط»، وهو ائتلاف ملتزم بحقوق الإنسان الفلسطيني والسلام العادل في الشرق الأوسط. وإذا كنتم من المهتمين بالسياسة والموضوعات، فآيوا هي المكان الملائم لمتابعة سباق الرئاسة الأميركية. وليس فقط لأنها أول ولاية تُصوت في دورة الانتخابات الرئاسية، ولكن أيضاً بسبب طريقة ممارسة السياسة فيها، والجدية التي يشارك بها السكان في العملية السياسية. فالانتخابات في آيوا نموذج للديمقراطية الحقيقة، إذ إن السكان لا يصوتون بسلبية، وإنما يناقشون ويحاولون التأثير على ناخبين آخرين من أجل مرشحهم المختار. وهم ليسوا مجرد ناخبين، وإنما نشطاء وأنصار.
وخلال العام الماضي، عملت في لجنة إصلاح شكلها «الحزب الديمقراطي» على المستوى المحلي في الولاية، حيث كان هناك بعض من أراد إنهاء نظام الانتخاب المباشر من خلال المجالس الانتخابية التي يجتمع فيها الناخبون لاختيار ممثليهم في المؤتمر الانتخابي للولاية. وزعموا أن هذه المجالس تتطلب قدراً كبيراً من الوقت، (وتقصي أشخاص يصعب عليهم المشاركة بسبب ظروف عملهم أو إعاقتهم). لكن الأشخاص الذين يؤيدون العملية السياسية في آيوا، ويحترمون طريقة انتخابهم الفريدة دافعوا عن النظام القائم. وفي نهاية المطاف، أبقت «آيوا» على مجالسها الانتخابية، لكنها أدخلت بعض التعديلات من أجل السماح بمشاركة أكبر من قبل الناخبين.
ولكن هناك سبباً آخر يجعلني أحبّ العملية السياسية في آيوا، وهو أنه ليس من الكافي بالنسبة للسكان أن يشاهدوا مرشحيهم عبر الإعلانات التلفزيونية أو في حشود انتخابية كبيرة. وإنما يرغبون في لقائهم، والنظر في أعينهم، وتقييمهم بطريقة مباشرة، وتوجيه بعض الأسئلة الصعبة إليهم.
وهذا ما يفعله سكان «آيوا»، وبعد ذلك، يصبح بقية موسم الانتخابات ضبابياً، إذ لا تحظى بقية ولايات الدولة بالفرصة ذاتها للقاء مرشحي الرئاسة وتوجيه الأسئلة إليهم. وبالطبع، يكاد يكون من المستحيل تطبيق نظام الانتخابات المباشرة في الولايات الخمسين، لذا يطرح سكان آيوا القضايا ويوجهون الأسئلة التي تحتاج بقية الولايات إجابات عنها. وفي معظم الموضوعات، فعل السكان ما يتوجب عليهم، وكانوا دقيقين في تعاملهم مع المرشحين.
وعلى سبيل المثال، كان أحد أعضاء ائتلاف «سكان آيوا المعنيين بالسلام في الشرق الأوسط» مشاركاً في تجمع انتخابي صغير أمس، حضره النائب «الديمقراطي» الذي أعلن نيته خوض سباق الرئاسة الأميركية «بيتو أوروك». وتمكن عضو الائتلاف من توجيه سؤال عميق ومفصل إلى «أوروك» بشأن ما سيفعله كرئيس إزاء السياسات العنصرية التي ينتهجها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وما سيفعله لحماية حقوق الإنسان للفلسطينيين الذين يتعرضون لنير الاحتلال.
وكانت إجابة «أوروك» جيدة ومنصفة، إذ دان نتنياهو وأعلن التزامه بحقوق الفلسطينيين. وإذا ما استمر عملنا كما هو مخطط له، فلن تكون هذه آخر مرة يواجه فيها «أوروك»، والمرشحين الآخرين، مثل هذه الأسئلة؛ لأن خطتنا هي مواصلة الضغط وضمان أن حقوق الفلسطينيين وقضايا السلام الأخرى في الشرق الأوسط حاضرة بقوة على الساحة السياسية في الانتخابات الأميركية.
ومن المهم تنظيم ائتلافات، مثل «سكان آيوا المعنيين بالسلام في الشرق الأوسط»؛ لأنه لو لم يتم تنظيمها، فربما لن يتعين على المرشحين إعلان مواقفهم تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أثناء السباق الرئاسي بأسره. ومواجهة المرشحين أمر مهم؛ لأننا اخترنا في انتخابات تلو الأخرى رؤساء لم يتعين عليهم الإفصاح عما سيفعلونه من أجل حل القضية الفلسطينية، ومعظم القضايا الأخرى المرتبطة بالشرق الأوسط.
*مدير المعهد العربي الأميركي- واشنطن