أُعلن في الهند أن الانتخابات العامة، التي تدور من أجل الحصول على 534 مقعداً برلمانياً، ستبدأ اعتباراً من الأسبوع الثاني لشهر أبريل المقبل. وفي بلد كبير مثل الهند، ستجرى هذه الانتخابات على سبع مراحل ضمن ما يُعد أكبر تمرين ديمقراطي في العالم. وفيه يتواجه رئيس الوزراء «ناريندرا مودي» وحزبه بهاراتيا جاناتا، الذي يحكم البلاد منذ خمس سنوات، ويسعى وراء ولاية ثانية في السلطة، مع حزب «المؤتمر» ورئيسه راهول غاندي.

أحزاب المعارضة، بما فيها المحلية والوطنية، تحاول تشكيل جبهة موحدة، ولكنها لم تتمكن بعد من إنشاء تحالف قوي. وعلى سبيل المثال، ففي ولاية «أتار براديش» المهمة، التي ترسل 80 عضواً إلى البرلمان، لا يشكّل حزب «المؤتمر» جزءاً من تحالف المعارضة بعد. غير أنه مما لا شك فيه أن هذه الانتخابات ستمثّل اختباراً لما إذا كان «مودي» سيستطيع تكرار سيناريو الانتصار الانتخابي الكبير الذي حققه في 2014.
الانتخابات الهندية، التي توصف بأنها أكبر مهرجان ديمقراطي، من المتوقع أن تعرف مشاركة نحو 900 مليون ناخب من أصل مجموع سكان يناهز 1.25 مليار نسمة. هذا العدد ارتفع من 814 مليون هندي مارسوا حقهم في الانتخاب في 2014، ويشمل 15 مليون شاب تتراوح أعمارهم بين 18 سنة و19 سنة. وما يميز الانتخابات العامة الهندية هذه المرة هو قيام «لجنة الانتخابات» بمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي في مؤشر على أهمية منصات التواصل الاجتماعي في الانتخابات، إذ من المنتظر أن تخضع حسابات كل المرشحين على وسائل التواصل الاجتماعي لفحص دقيق من قبل السلطات الانتخابية. وفي هذا الإطار، طمأنت منصات التواصل الاجتماعي مثل «جوجل» و «فيسبوك» و «واتساب» «لجنةَ الانتخابات» بأنها وضعت نظامَ مراقبة من أجل ضمان عدم الترويج للأخبار الكاذبة عبر منصاتها.
وكان رئيس الوزراء «مودي» وحزبه قد فازا بـ282 مقعداً من أصل 543 مقعداً في انتخابات 2014 لأول مرة منذ أكثر من ثلاثة عقود، على أساس وعود بتوفير وظائف ونمو اقتصادي سريع.
وإذا كانت حكومة «مودي» قد طبّقت إصلاحات مثل «ضريبة السلع والخدمات» وحرّرت الاقتصاد أكثر، فإن البطالة ظلت تمثّل مشكلة كبيرة. ذلك أن توفير الوظائف لم يواكب دخول ملايين الشباب الهندي سوق العمل كل سنة. كما كانت ثمة مشاعر غضب في المناطق الريفية، حيث يشتغل المزارعون في ظل تدني أسعار منتجاتهم وتراكم الديون. وفي مؤشر على الاستياء المتفشي في المناطق الريفية، خسر حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، قبل ثلاثة أشهر فقط، الانتخابات في ثلاث ولايات كانت تُعد معاقل له.
ولئن كان رئيس الوزراء ما زال زعيما يحظى بالشعبية، إذ يرجِّحُ فوزَه في الانتخابات المقبلة استطلاعٌ واحد للآراء على الأقل أجرته قناة «نيوز نيشن» الهندية الإخبارية هذا الشهر، فإن استطلاعات الرأي لم تثبت صحة توقعاتها دائما. ومن جهة أخرى، فإن صعود "بيريانكا غاندي"، ابنة رئيس الوزراء السابق راجيف غاندي، إلى المشهد السياسي يتوقع أن يُحدث فرقا. فعلى الرغم من أنها لا تحتل موقعاً مركزياً بعد ومنهمكةٌ حالياً في إعادة تنظيم كوادر الحزب الشابة، إلا أنها تتميز بشخصية كاريزمية وفصاحة اللسان لجذب الناخبين إلى الحزب حينما تشرع في مخاطبة التجمعات الانتخابية.
وإذا كانت الوظائف ومشاكل الزراعة والمزارعين هي المواضيع الرئيسية في هذه الانتخابات، فإن اندلاع أعمال عدائية مؤخرا بين الهند وباكستان أدى إلى ضربات جوية متبادلة جعلت من الأمن الوطني أيضاً موضوعاً في الحملة الانتخابية في وقت يحاول فيه حزب بهاراتيا جاناتا تسجيل بعض النقاط وتحقيق تقدم على منافسه حزب "المؤتمر". وفي مؤشر على كيف تحولت تلك الضربات الجوية إلى ذخيرة سياسية، أصدرت لجنة الانتخابات بيانا تطلب فيه من كل الأحزاب السياسية الإحجام عن استخدام القوات المسلحة والتطورات الأخيرة كجزء من الأجندة السياسية لتحقيق مكاسب انتخابية.
وإلى ذلك، أثبتت ولايات الهند الشرقية والجنوبية أنها مناطق صعبة بالنسبة للحزب الحاكم. ذلك أن عدداً من حلفاء الحزب الحاكم في انتخابات 2014 غادروا التحالف. وفضلاً عن ذلك، فإن كبيرة وزراء ولاية بنغال الغربية «ممتا بينارجي» ما زالت تمثّل عقبة أمام محاولات بهاراتيا جاناتا اختراق تلك الولاية. فقد صعدت إلى الواجهة كواحدة من أقوى الزعماء بعد تنظيم تجمع ناجح لأحزاب المعارضة المحلية والوطنية خلال الأشهر الأخيرة.
والواقع أن حزب «المؤتمر» بقيادة «راهول غاندي» أطلق أيضاً حملة قوية. فالحزب، الذي تقلص عدد مقاعده في البرلمان إلى 44 مقعداً فقط في انتخابات 2014، يأمل في الانبعاث من جديد وينتقد الحكومة بخصوص الوظائف وأزمة المزارعين، إضافة إلى الفساد في الصفقات العسكرية المرتبطة بشراء مقاتلات من شركة فرنسية. لكن من غير الواضح حتى الآن من هو الحزب الذي سيتصدر نتائج الانتخابات المقبلة من دون الاعتماد على استطلاعات الرأي التي لم تُعرف دائماً بدقة توقعاتها.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي