هذا الكون، الذي يتحدّى العلم بحجمه الهائل، نشأ عن انفجار كتلة بالغة الصغر يعجز العلم عن الإحاطة بحجمها الصغير. فالكون الذي ولد في أقل من تريليون من تريليون من الثانية، أحدث ما يسمى «الدوي العظيم»، ونشأ عنه ما يُسمى «التضخم» الذي صقل وسوّى الفوضى الأولية، وجعل الكون كما نراه الآن أكثر انتظاماً. حدث ذلك وعمر الكون 100 ألف عام آنذاك تمدّدت كتلة جسيمات وأشعة تَئِزُ فانفتح مجال طاقوي غريب، غمر الكون بجاذبية مضادة، جعلت الكون، الذي يتمَّددُ أكثر تمّدداً. وبعد مرور 100 ألف سنة أخرى اختفى المجال الطاقوي، من دون أن يترك أي أثر، سوى أنّ تمدد الكون يتسارع الآن. لكن لا دليل علمي على هذه الأفكار، وما إذا كان أي منها صحيحاً. وعلى العلماء المعاصرين إعادة كتابة قصة أصل الكون وتاريخه، وربما مصيره. وإذا كان هناك خطأ حسابي ما فمنهج علماء فيزياء الفلك الصارم جدير بتقدير آثار الضجيج الإحصائي، وغير ذلك من أخطاء عشوائية في نتائجهم، لكن الأمر ليس كذلك مع الأخطاء في المنهج. وهذا ما تنبهت إليه «ويندي فريدمان» الباحثة في جامعة شيكاغو.
والكون الذي نعيش فيه لم يتوقف عن التمدد منذ مولده قبل نحو 14 مليار سنة، ويتمدد الآن بسرعات أكبر بنسبة 9% عما وصفته «نظرية تمدد الكون». ويُرّجِّحُ علماءُ فيزياء الفلك وقوعَ طارئ جديد على الكون، ويعقدون ورشات عمل ومؤتمرات لمراجعة حساباتهم القديمة بلا طائل، حسب «نيويورك تايمز». و«إذا كنا جادين في بحث الكون فهذا هو الشيء الذي ينبغي التعامل معه بجد». قالت ذلك «ليسا راندال»، باحثة الفيزياء الفلكية في جامعة هارفارد. ويُضاعف الحيرةَ ما يسمى «الطاقة المظلمة» أو «الطاقة الشبح» التي تجعل الكون يتمدد بسرعة أشدّ. وتُرجِّح أحدث التوقعات أن تصبح هذه الطاقة أقوى وأكثف فتمزق الذرات التي يتكون منها كل شيء في الكون، وينتهي الزمان.
والمفاجأة التي تضع الكون على قدميه، إذا صحّ التعبير، رسالة شخصية من العالم الفلسطيني «منير نايفه»، أستاذ الفيزياء في جامعة إيلينوي، والمختص بفيزياء «النانو» التي تقيس أصغر الحجوم والأحداث الكونية، حتى واحد من المليار من المتر. ويُقرُ «نايفه» في رسالته بأن لا أحد يعرف ما الذي قاد إلى «التضخم» في الكون ولماذا؟ وهل الجاذبية الجماعية للمجرات المتمددة تسحب كل شيء في الكون حتى «الانسحاق العظيم»؟ والمخيف أن «الطاقة المظلمة» تكوّن 70% من مجموع طاقة الكون، وتتصرف مثل «الثابت الكوني» الذي حشره إينشتاين في معادلاته قبل قرن، معتقداً أنه قد يقي الكون من الانهيار تحت ثقل وزنه الذاتي، وتخلّى عنه بعد ذلك. لكن حجم الكون لا يزال يتضاعف بتأثير «الطاقة المظلمة» ضعفين كل 10 مليارات عام. ولا أحد يعرف إلى متى يظل الكون يفعل ذلك؟ أم «لعله يفعله بين حين وآخر» فحسب. وإذا صحّ هذا، فسيرفع عن كاهل علماء الفلك وأي شخص آخر «الكابوس الوجودي» حول مستقبل الكون.
ويتميز «نايفه» عن بقية العلماء بالتساؤل المتفائل حول ما إذا كانت «الطاقة الشبح» وقتية، حيث يمكن أن تنطفئ يوماً ما، ومن ثم يمكن تجنب «التمزق الذاتي» لكل شي في الكون، والأمل بكونٍ أسعد، من دون انهيارات. والكون الذي يتحدث عنه «نايفه» هو ما نعرف ولا نعرف من كل شيء تتحكم به قوانين الطبيعة، بما في ذلك الزمان، والفضاء، والمادة، بينما الفضاء هو ما نعتقد أننا نعرفه من الكون، ونخطط لغزوه والإقامة فيه. والمدهش أن ينتهي العلم إلى استخدام لغة الشاعر الألماني «غوته» الذي قال قبل نحو أربعة قرون: «في كل لحظة تبدأ الطبيعة في أطول رحلة، وفي كل لحظة تصل الطبيعة مبتغاها».