تثير الموسيقى جدلاً شديداً بين الناس العاديين والمتخصصين على حد سواء من حيث فائدتها ومدى إمكانية استخدامها كإحدى الوسائل للمساعدة في العلاج والشفاء، وآثرنا في هذا المقال ألا نخوض في هذا الجدل، وإنما نعرض بعض الأمثلة على استخدام الموسيقى في العلاج قديماً وحديثاً. في البداية، نبين أن الأطباء المسلمين الأوائل كانت لهم طرق لمعالجة المرضى باستخدام الموسيقى. ويؤكد كبار الأطباء أمثال ابن سينا ويعقوب بن اسحاق الكندي وأبو بكر الرازي على أهمية المعالجة بالموسيقى لما لها من تأثير إيجابي على الحالة الصحية. ويثبت الرازي في كتبه أن الكثير ممن عانوا من اضطرابات عقلية تحسنت حالتهم بالاستماع إلى الموسيقى الهادئة. ويشير ابن سينا إلى أن العزف والغناء يمكن أن يشتت المريض عن التفكير في آلامه العضوية والنفسية. ويقول ابن سينا «خير تمارين العافية الموسيقى والغناء». أما الكندي فقد درس تأثير الألحان على عقل ووجدان الإنسان وخاصة الآلات الوترية، وظهر بنتائج من بينها أن كل وتر يؤثر على نفسية الإنسان سلباً وإيجاباً حسب نوعية الموسيقى. فإذا كانت الموسيقى حزينة (مقام الصبا) يحزن الإنسان، وإذا كانت مرحة (مقام البياتي) يفرح. ويؤكد علماء المسلمين بأن الموسيقى تعمل على صفاء الذهن ورقي المشاعر وطرد الحقد والكراهية في النفس البشرية.
أما عن استخدام الموسيقى لدى الشعوب الأخرى، فقد أكد أحد علماء الحملة الفرنسية على مصر أن القاهرة أسست مشافي للمعالجة بالموسيقى. وتمت مراقبة هذه المستشفيات حيث وجدوا أن حالات كثيرة تعافت بالعزف الحي المباشر. وفي أوروبا تم تفعيل العزف بشكل مباشر في المستشفيات للتخفيف عن المرضى وضحايا الحربين العالميتين. ومن ثم تم تعيين موسيقيين في المستشفيات لتأثيرها الإيجابي على نفسية المرضى. وفي عام 1940، منحت لأول مرة الدرجة العلمية في العلاج بالموسيقى من جامعة ميشيجن في الولايات المتحدة الأميركية. وصدرت دراسات ومجلات متخصصة تهتم بالعلاج بالموسيقى. وفي العالم العربي، تصدرت مصر الأولى عربياً في تأسيس مركز للمعالجة بالموسيقى ومن ثم في تونس والأردن ولبنان.
وأثبتت الدراسات العلمية في العديد من الدول الغربية بفعالية المعالجة بالموسيقى. أكدت تقارير أميركية أن سماع الموسيقى يساعد على علاج مرضى السرطان، مما أدى إلى توظيف الموسيقى في أكثر من 25 مركزاً للسرطان في الولايات المتحدة الأميركية. ركزت العديد من الدراسات حول اختبار تأثير الموسيقى على مزاجية الأشخاص المصابين بالسرطان، وكان من بين نتائج هذه البحوث أن الموسيقى لها تأثير إيجابي على قدرة المرضى في السيطرة على المرض ومنحهم أمل بصورة أكبر للحياة. وقد أثبتت الدراسات البريطانية أن الموسيقى تساعد في علاج أمراض الجهاز التنفسي على سبيل المثال تساعد الآلات النفخية بكافة أنواعها على التنفس بشكل أفضل إذا تمت ممارستها حيث لديها القدرة على توسع الرئتين والقصبات الهوائية ويمكن بذالك الاستغناء عن الأدوية الطبية المتعلقة بمشاكل التنفس. وأثبتت دراسة ألمانية بإمكانية معالجة أمراض البكم ومشاكل النطق بالموسيقى، وذلك عن طريق الإنشاد والغناء. الموسيقى لها تأثير فعال في علاج مرض التوحد، حيث أظهرت الأبحاث أنه من خلال استخدام الأنشطة الموسيقية (الرقص والغناء والعزف) يتم تحسين الأداء الحركي واللفظي والوجداني لمرضى التوحد، حيث يتم تدريبهم على العزف على آلات مختلفة ومعظم هذه التدريبات تكون ارتجالية غير مدروسة. فالرقص والعزف يحسنان الأداء الحركي لمرضى التوحد. أم جلسات الغناء تحسن مخارج الحروف والنطق. يقول الدكتور إيهاب عاطف أستاذ الموسيقى:«العلاج بالموسيقي له دور أساسي في تعليم أطفال التوحد القدرة علي التعبير عن النفس باستخدام الكلمات المنغمة وعلى النطق الصحيح». خلاصة القول الموسيقى هي عامل مساعد للشفاء منذ القرون الأولى، وفي بعض الحالات يمكن الاستغناء عن الأدوية واستبدالها بالموسيقى.
almazrouei2013@gmail.com