وقعت عيني على رسالة عمرها 1000 عام تقريباً، كتبها شاب فرنسي يرقد مريضاً في مشفى أندلسيّ، لوالده المقيم في باريس، في الفترة ما بين القرنين السابع والثامن الميلاديين. الرسالة في مجملها تبعث على السعادة والفخر، لكن سرعان ما يتبدّد الشعور الجميل، ليعقبه أحساس مختلف لا يسر. لماذا؟ سيأتي الجواب. الشاب الفرنسي يبدأ رسالته (والدي العزيز: لو تفضلت وجئت لزيارتي فسوف تجدني في قسم الجراحة ومعالجة المفاصل، وسوف تشاهد بجانب غرفتي مكتبة وصالوناً للمطالعة والمحاضرات، حيث يجتمع الأطباء فيه يومياً للاستماع إلى محاضرات الأساتذة، وفي الجهة اليمنى من ساحة المشفى ستجد صالوناً كبيراً مخصصاً للمرضى الذين تماثلوا للشفاء، حيث يقضون فيه فترة النقاهة، ويحتوي الصالون على مكتبة خاصة (..) والدي العزيز: إن كل نقطة وكل مكان في هذا المشفى غاية في النظافة، فالفراش والوسادة التي تنام عليها مغلّفة بقماش دمشقي أبيض، أما الأغطية فمصنوعة من المخمل الناعم اللطيف. إن كل غرف المشفى مزودة بالماء النقي الذي يصل إليها بوساطة أنابيب خاصة، كما في كل غرفة مدفأة لأيام الشتاء. العزيز والدي: لقد ذكرت في رسالتك بأنك سوف تبعث لي بعض النقود كي استعين بها في علاجي، لكني لا احتاج إلى النقود مطلقاً لأن المعالجة في هذا المشفى الإسلامي مجانية، بل إن المشفى يدفع إلى كل مريض تماثل للشفاء مبلغ 5 دنانير، وملابس جديدة، حين يغادر المشفى، كي لا يضطر إلى العمل في فترة النقاهة. أما الطعام فهو من لحم الدجاج والخضار، حتى أن بعض المرضى لا يريدون مغادرة المشفى طمعاً بالطعام اللذيذ). انظر صفحة 52، كتاب التفوق العلمي في الإسلام، لأمير الأرشدي، بيروت 1990م. هنا ننهي التأمل في أبعاد هذه الرسالة، ونتوقف عن الزهو بما وصل إليه أهلنا من عرب ومسلمين، من إنجازات في مرحلة من التاريخ الإنساني، برعوا بالفكر والابتكار وصناعة الإنسان ودولة المؤسسات.
لنقلب هذه الصفحة اللامعة، ونفتح أخرى جديرة بالتفكير والتركيز: في الثاني عشر من شهر فبراير عام 2017م بمدينة دبي، جرى حدث كبير اسمه (القمة العالمية للحكومات)، رعاه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. فعبرَ 150 متحدثاً في 114 جلسة وبحضور 4000 شخصية إقليمية وعالمية من 138 دولة، ولمدة 3 أيام متتالية، توصل المجتمعون إلى النتائج التالية: 57 مليون عربي أُميّ، و13 مليون طفل عربي لم يلتحقوا بالمدرسة حتى عام 2017، و30 مليون عربي تحت خط الفقر، وآخر عامين زادت نسبة الفقر إلى 8%، وتريليون دولار كلفة الفساد في المنطقة العربية، و5 دول عربية في قائمة العشر الأكثر فساداً في العالم. والعالم العربي يمثل 5% من سكان العالم إلاَّ أن 45? يعاني من الهجمات الإرهابية عالمياً. إن 75% من لاجئي العالم هم عرب، و68% من وفيات الحروب في العالم أيضاً عرب. ومن عام 2011 حتى 2017 جرى تشريد 14 مليون عربي، والخسائر البشرية وصلت إلى 1.4 مليون قتيل وجريح عربي. من عام 2011 حتى العام 2017 بلغت خسائر الناتج المحلي العربي جراء ما يُغرف بـ«الربيع العربي» 300 مليار دولار. وأخيراً، 20 ألف كتاب فقط ناتج العالم العربي سنوياً، أي أقل من دولة رومانيا. ولدى 410 ملايين عربي 2900 براءة اختراع، بينما لدى 50 مليون كوري 20201 براءة اختراع. ألم أقل إنه أحساس لا يسر.
*إعلامي وكاتب صحفي