إذا ما التزم مريض السكري بتناول 850 سعرة حرارية فقط يومياً لمدة ثلاثة أشهر، ثم حافظ على ما سيفقده من وزن خلال هذه الفترة -عشرة كيلوجرامات أو أكثر- فيمكن أن يستغني عن الأدوية والعقاقير التي يستخدمها لعلاج مرضه، لمدة عامين على الأقل. هذه كانت نتيجة تجربة نشرت نتائجها في العدد الأخير من إحدى الدوريات المتخصصة في السكري وأمراض الغدد الصماء (Lancet Diabetes and Endocrinology)، وقد تم تمويلها من إحدى الجهات الخيرية العاملة في مجال تثقيف المرضى ودعم الأبحاث في مجال داء السكري في بريطانيا (Diabetes UK). وشملت الدراسة 149 مريضاً من شمال إنجلترا واسكتلندا، تم وضعهم على نظام غذائي مكون من مشروب كثيف يحتوي على 850 سعرة حرارية فقط، لمدة تتراوح بين 12 و30 أسبوعاً. وبعد مرور عام، وحفاظهم على ما فقدوه من وزن خلال هذه الفترة، تبين اختفاء الحالة المرضية في 69 منهم، أي 46 في المئة من المجموع، وتمتعهم بمستويات قياس للسكر في الدم مماثلة للقياسات الطبيعية. وبعد مرور عامين على بدء التجربة، ظل 53 منهم، أي 36 في المئة، يتمتعون بمستويات قياس للسكر في الدم مماثلة للقياسات الطبيعية، مقارنة بنسبة 4 في المئة فقط ممن كانوا يعتمدون على العلاج القياسي من الأدوية والعقاقير الطبية شائعة الاستخدام لعلاج مرضى السكري.
وتعَد نتيجة هذه الدراسة تطوراً هائلا في مجال إدارة مرضى السكري، ولدرجة أن بعض العلماء والمتخصصين وصفوا تلك النتائج بأنها تسدل الستار تماماً على الاعتقاد السابق والشائع بأن مرض السكري هو حتماً مرض «تدهوري»، أي أن حالة المريض المصاب به، تشتد وتتفاقم بشكل تدريجي تصاعدي مع مرور الوقت، وذلك بشكل حتمي. كما يتجسد وقع نتائج هذه الدراسة، في حقيقة أن نظام الرعاية الصحية الوطني في إنجلترا، يخطط لبدء برنامج تجريبي، يشمل 5 آلاف مريض أولياً، وفي مرحلة لاحقة يتم تطبيقه على مستوى وطني، لتصبح إنجلترا بذلك أول دولة في العالم تتيح هذه الأسلوب في علاج وإدارة المرض لجميع مواطنيها، كما يخطط المسؤولون عن نظام الرعاية الصحية في اسكتلندا للبدء في تفعيل برنامج مشابه.
وإن كان ينبغي التنويه هنا إلى أن مثل هذا الخفض الحاد في المتناول من السعرات الحرارية يومياً، أي إلى النصف أو أقل منه، ليس مناسباً للجميع، كما ينبغي أن يتم فقط تحت إشراف طبي. كما أن بعض الخبراء والمتخصصين يرون أنه لا يمكن اختزال مرض السكري في خفض الوزن فقط، ودليلهم على ذلك أن 16 في المئة من المرضى الذين شاركوا في الدراسة سابقة الذكر، وخسروا 15 كيلوجراماً أو أكثر من وزنهم لمدة عامين، عاد المرض لهم بشكل كامل. وهو ما يكون عائداً إلى أن هؤلاء المرضى كانوا مصابين بالسكري لفترة أطول من أقرانهم الذين اختفى مرضهم بعد خفض الوزن، أو أن هناك ظروفاً غذائية أو عوامل وراثية غير معروفة حتى الآن، وهو ما يتطلب المزيد من الدراسات والأبحاث لفهم الصورة كاملة.
وتزامن الإعلان عن نتائج تلك الدراسة الطبية، مع انعقاد مؤتمر الإمارات التاسع للسكري والغدد الصماء في دورته لعام 2019، والذي تم الإعلان فيه عن أن عدد الأشخاص الذين لديهم قابلية الإصابة بالسكري في الدولة يقدر بحوالي 960 ألف شخص، من المواطنين والمقيمين، إذ توجد لديهم عوامل الخطورة المؤدية للإصابة بالمرض مستقبلا، مثل السمنة وعدم اتباع أنماط الحياة الصحية والتدخين وغيرها من العوامل، وذلك على خلفية أن عدد المصابين بمرض السكري في الدولة بلغ 840 ألف شخص مصاب وفقاً لإحصاءات عام 2018.
ومن المنظور العالمي، يكلف مرض السكري اقتصادات العالم نحو 776 مليار دولار سنوياً، وهو الرقم الذي يتوقع أن يزداد في ظل التقديرات التي تفيد بأن عدد المصابين بالسكري سيصل في عام 2040 إلى 642 مليون شخص مصاب، وبأن السكري سيحتل المرتبة السابعة على قائمة أسباب الوفيات بحلول عام 2030، حيث يتم حالياً تشخيص حالة جديدة كل ثانيتين، وفي كل 7 ثوان يلقى شخص حتفه بسبب مضاعفات السكري.
وجدير بالذكر أن الجهات الصحية المختلفة في دولة الإمارات، أدركت منذ وقت طويل أهمية التصدي لمرض السكري، والذي بات يعد من أهم وأكبر التحديات التي تواجهها الحكومات بشكل عام والجهات المعنية بتقديم الخدمات الصحية بشكل خاص، حيث توجه 9 في المئة من ميزانيات تلك الجهات إلى علاج وإدارة هذا المرض، وهو ما نتج عنه بالتبعية تراجع نسبة انتشاره إلى 11,8 في المئة بالدولة العام الماضي، وفقاً للمسح الوطني الذي أجرته وزارة الصحة ووقاية المجتمع، بما يتماشى مع الخطة الوطنية 2021.