لا أحد يعرف على وجه اليقين من هو رئيس فنزويلا الحقيقي في الوقت الراهن: نيكولاس مادورو، الذي نصّب رئيساً في 10 يناير الماضي، أم خوان غوايدو، الذي تقلد سلطة الرئاسة بعد ذلك بوقت قصير، باسم البرلمان. «غوايدو» أسر قلب البلاد. ذلك أن أغلبية كبيرة من الفنزويليين تدعمه. وكل الأحزاب السياسية في فنزويلا باستثناء الحزب الحاكم تقبل حجته القانونية التي تقول إن إعادة انتخاب مادورو في 2018 شابتها أعمال تزوير. أما مادورو، فيحظى بدعم مؤسسة واحدة فقط، ألا وهي: الجيش. وقد كان هذا واضحاً في 23 فبراير الماضي، عندما استخدم القوةَ العسكرية العنيفة لمنع دخول المساعدات الغذائية، ما أسفر عن مقتل مدنيين وإضرام النار في الشاحنات التي أوصلت المساعدات، بينما كان يرقص «السالسا» على التلفزيون.
السؤال هو كيف يمكن مواجهة هجوم مادورو العسكري دون اللجوء إلى عمل عسكري. هذه هي ورطة فنزويلا في الواقع. ومع تقلص احتمالات التوصل لتسوية سلمية، دعا «غوايدو» حلفاءه في المعارضة إلى القيام بجهود وساطة.
معظم المحللين، بمن فيهم كاتب هذه السطور، يتفقون على أن التدخل الأجنبي ينطوي على مخاطر كبيرة جداً. غير أنه توجد بعض البدائل التي تتلافى عسكرة النزاع، وإنْ كانت تنطوي مع ذلك على درجة من العسكرة. ولفهم هذا الأمر، يجب علينا أولاً فهم الطريقة التي يشتغل بها جيش مادورو.
والواقع أنه في كل نظام غير ديمقراطي، يُعتبر الدعمُ العسكري شرطاً لبقائه: فإذا أزلت دعم الجيش، سقط هذا النظام. ولهذا، فإن عملية الدمقرطة تتطلب فصل الجيش عن مادورو. ولكن سياسة فصل الجيش عن مادورو أثبتت أنها معقدة، لأن تحالف مادورو العسكري يُعتبر غير تقليدي إلى حد كبير. ذلك أن جيشه ليس منظمة موحدة عمودية محترفة، وإنما تتألف من عناصر متعددة، وكل عنصر منها لديه مصلحته الخاصة في دعم النظام. ولهذا، فإن أي استراتيجية لفصله عن مادورو تستلزم استخدام سياسات معينة للتعاطي مع كل واحدة من هذه المجموعات.
فهناك المؤسسة العسكرية التقليدية التي تتألف في فنزويلا من جنود محترفين. ثم هناك مجموعات غير تقليدية، وهي تشمل جنوداً مؤدلجين يعملون مع الجيش الكوبي والمسؤولين الاستخباراتيين لقمع المعارضة والانشقاق. كما تشمل جنرالات بيروقراطيين يدعمون مادورو، لأن لديهم وظائف جيدة ويديرون شركات مملوكة للدولة، وجنوداً ساعين وراء الربح يجنون المال من الاتجار في أنشطة غير قانونية، مثل تجارة المخدرات. وأخيراً، هناك عملاء مادورو القتلة المكلفين بالقمع.
وعيب استراتيجية غوايدو - بل عيب أي استراتيجية سلمية وديمقراطية لنزع الصفة العسكرية عن نظام ما - هو أنها لا تستطيع معالجة تخوفات هذه المجموعات العسكرية المختلفة بسهولة.
والواقع أن بعض تلك التخوفات يمكن أن يعالَج بسياسات يقترحها الرئيس المؤقت. فعلى سبيل المثال، فإن عرض العدالة الانتقالية (العفو) الذي عرضه غوايدو، إلى جانب انتخابات نزيهة، لديه جاذبية كبيرة بين الجنود الخائفين والكثير من الجنود المهنيين. ولهذا، رأينا في الآونة الأخيرة عمليات انشقاق من قبل كثير من هؤلاء الجنود.
غير أن ثمة القليل في سياسات غوايدو الذي من شأنه إغراء الأنصار المؤدلجين المتشددين والجنود المجرمين والساعين وراء المال، والـ«كوليكتيبوس»، أو «المجموعات». ذلك أن الأنصار المؤدلجين المتشددين من المرجح أن يقفوا مع مادورو بشكل غير مشروط. والجنرالات الساعين وراء المال لن يربحوا شيئاً من العدالة الانتقالية، إذ سيصبحون من دون مكانة وبدون أرباح حتى إن صدر في حقهم عفو.
إن الانتقال إلى الديمقراطية في فنزويلا سيتطلب إدخال النظام على هذا الجيش المنقسم. وفي هذا الصدد، فإن المجموعات الأكثر قتامة داخل هذه المؤسسة لا يمكن أن تُدعى للانضمام إلى حركة ديمقراطية – لأن من شأن ذلك أن ينتج تضارب مصالح فورياً. وبدلاً من ذلك، ينبغي تحييد هذه المجموعات بصورة ما. ولا شك أن شخصاً مدنياً لا يستطيع فعل هذا بمفرده. ولكن اللاعبين من داخل المؤسسة العسكرية فقط يمكنهم القيام بالإصلاح الذي يحتاجه الجيش.
وربما ليس لدى غوايدو وحلفائه الدوليين خيار غير بحث فكرة شراكة مدنية- عسكرية مؤقتة تحت شكل من أشكال الوصاية الدولية. وعليهم أن يواصلوا مد أيديهم لبعض الضباط العسكريين النزهاء، أولئك المهتمين بنزاهة المؤسسة، من أجل إقناعهم بعدم تأييد مادورو، ولكن أيضاً على المجموعات المختلفة داخل الجيش. والهدف هو إعادة النظام إلى المؤسسة العسكرية.
والحاصل أنه بالنظر إلى الطبيعة القاتمة والمشرذمة للجيش الفنزويلي، فإن التحول إلى الديمقراطية لن يكون أبداً عملية انتقال نظيفة وقصيرة من الحكم العسكري إلى الحكم المدني. بل سيتطلب فترة انتقالية ستكون من دون شك مليئة بالتحديات بالنسبة لديمقراطيي فنزويلا، ولكنها أفضل من حالة الطريق المسدود التي توجد فيها البلاد حالياً أو التدخل بقيادة الولايات المتحدة الذي بات يدعو إليه الكثيرون على نحو متزايد.
خافيير كوراليس
أستاذ العلوم السياسية بكلية أمهرست الأميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/03/04/opinion/venezuela-military-maduro-guaido.html