لسان حال الدول الإسلامية مع إيران يتلخص في مقولة «رضينا بالهمِّ والهمُّ غير راضٍ بنا». فبعد إصدار وزراء خارجية ورؤساء وفود الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي «إعلان أبوظبي»، في ختام أعمال الدورة الـ46 لمجلس وزراء خارجية المنظمة في العاصمة الإماراتية، والذي تضمن دعوة إيران للرد الإيجابي على الدعوات الإماراتية للتوصل إلى حلّ سلمي لإنهاء احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث، خرج المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بتصريح يزعم فيه أن وزير خارجية دولة الإمارات سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان سعى لإصدار البيان متضمناً قضية الجزر من دون الرجوع إلى وجهات نظر سائر الوفود الحاضرة، وأردف زعمه بكذبة أن الوفد الإيراني احتج وغادر الاجتماع، رغم أن رئيس الوفد الإيراني سجّل اعتراضه الخطي على هذه المادة من الإعلان، كما تقتضي القواعد في مثل هذه الحالات، وواصل حضوره الاجتماع أمام مرأى الجميع.
ورغم الهمّ الإيراني الذي تتحمله الدول الإسلامية منذ مجيء الخميني، فإنها ما تزال تأمل من الإيرانيين احترام أبسط مبادئ الأخوة الإسلامية، ذلك الهمّ الذي لم تسلم منه دولة من الدول الإسلامية، ما بين دول تحتل إيران جزرها كالإمارات، ودول تهدد إيران استقرارها عبر جماعتها «الحوثية» كالسعودية، ودول تتدخل إيران في شؤونها الداخلية كالبحرين، ودول تسلط عليها إيران خلاياها التجسّسية كالكويت، ودول تمدّ إيران جماعات داخلية فيها بالدعم العسكري لتنقلب على حكومتها الشرعية كاليمن، ودول تسيطر عليها إيران بجماعاتها كالعراق، ودول تقتل إيران أبناء شعبها وتسهم في تدميرها كسوريا، ودول تتحكّم إيران في قراراتها عبر مليشياتها كلبنان، ودول تفتّت إيران التضامن بين أبنائها كفلسطين، ودول تنشر فيها إيران التشيّع السياسي كمصر والسودان والمغرب ونيجيريا وغيرها، ودول تعاني من التغلغل الإيراني بداخلها كأذربيجان، ودول تعبث بها إيران لتطيل أمد عدم استقرارها وإحلال السلام فيها كأفغانستان، ودول علاقاتها مع إيران في حالة شد وجذب طوال الوقت كباكستان، ودول ضبطت أسلحة إيرانية كانت في طريقها إلى بعض المتمردين فيها كالسنغال وغامبيا.. والقائمة تطول وتطول.
وهكذا لو استعرض المرء تاريخ العلاقات الإيرانية بكافة الدول الإسلامية خلال أربعين سنة الماضية وإلى يومنا هذا، سيجدها إما علاقة حرب طاحنة، أو إنشاء كيانات موازية للدولة، أو تدخل عسكري، أو عبث أمني، أو تجسّس، أو تحكّم وسيطرة على القرار، أو تهريب أسلحة، أو تمزيق لُحمة، أو فتنة طائفية، أو نشر للخمينية (التشيع السياسي)، أو تدخل في الشؤون الداخلية، أو توتر دائم، أو شد وجذب.. بل إن الدول القليلة التي ربما سلمت من الأذى الإيراني، هي أيضاً معنية ومتضررة من حالة عدم الاستقرار التي تتسبب بها إيران في عموم المنطقة والعالم.
وليست قضية الجزر الإماراتية الثلاث وحدها ما دفع المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ليدلي بذلك التصريح المبني على المزاعم والأكاذيب، فالإعلان بمجمل مواده الخمسين، والتي تحدد ملامح التنسيق والتعاون بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، يتعارض مع السياسات الإيرانية القائمة على الإيذاء بمختلف أنواعه ومستوياته.