فقد عالم الموضة العالمي في الأسابيع الماضية في باريس واحداً من أشهر مصممي الأزياء هو كارل لاغرفيلد، وهو من أصول ألمانية. وقد نقلت خبر وفاته دار «شانيل» التي ظل مديرَها الفني طيلة ستة وثلاثين عاماً. وبوفاة لاغرفيلد، مصمم الأزياء، تكون أوروبا قد فقدت عبقرياً مبدعاً ساهم في جعل باريس عاصمة الموضة في العالم، وهو الذي جعل «فيندي»، أحد أكثر بيوت الأزياء الإيطالية إبداعاً، تتفق مع كل الشهادات التي قيلت بحقه في الأيام الماضية، والتي أوضحت جميعها بأن الموضة والثقافة سيغيب عنهما مصدر عظيم للإلهام.
وقد ظل لاغرفيلد أيقونةً في عالم الأزياء على مدى نصف قرن، واشتهر بارتداء البدلات الداكنة، وتميز بشعره الأبيض القصير المصفف في شكل ذيل حصان، وبنظارته الشمسية المعتمة. كما اشتهر بعمله مع شانيل، لكنه كان يصمم مجموعات لدار أزياء فيندي التابعة لشركة لوي فويتون مويت هينيسي وللعلامة التجارية التي تحمل اسمه.
ولد كارل لاغرلافيلد في هامبورغ، وكان يحلو له أن يبقي تاريخ مولده طي الكتمان. وتفيد تقارير إعلامية ألمانية متعددة استندت إلى سجلاته الرسمية، بأنه ولد في العاشر من سبتمبر عام 1933. أما هو، فكان يقول إنه من مواليد عام 1935، موضحاً أن والدته «غيرت تاريخ ميلاده»، بحسب ما جاء في مقابلة مع «باري ماتش» في 2013.
وترعرع لاغرلافيلد في كنف عائلة ميسورة الحال في ريف ألمانيا تحت الحكم النازي، قبل أن ينتقل مع والدته للعيش في باريس في الخمسينيات. وسطع نجمه بعد فوزه بالدورة الأولى من مسابقة دولية عرفت بـ«الأمانة الدولية للصوف»، وذلك مناصفة مع إيف-سان لوران سنة 1954.
شخصياً، كنت أسمع كثيراً عن لاغرلافيلد، لكن الذي أعرفه جيداً هو السيد كزافيي هيرمس، وعلامته المشهورة هيرمس ‏Hermès، فقد شارك كثيراً في مؤتمرات نظمناها حول التعددية الثقافية وتحالف الحضارات، وشاركت في لقاءات مدراء البنوك والمؤسسات الكبرى في الفضاء المتوسطي التي كان ينظمها، واستضافني مع زمرة من المفكرين في بيته بشارع فولتير في باريس، وأذكر هذا البيت لأن من يدخل إليه يبقى مبهورا بالتحف التي تجسد التاريخ الإسلامي والتاريخ المتوسطي والفرنسي، ويبقى مبهوراً بتواضع الرجل الذي يملك شبكة علاقات دولية واسعة، وأشاطره العديد من الأفكار في مجال التقريب بين الشعوب في الفضاء المتوسطي وحول التنمية المستدامة وكيف يمكن بناء مدرسة الغذ. ودائماً ما أخرج بقناعة أن أصحاب عالم الموضة، علاوة على تمكنهم في مجالاتهم، فهم فنانون ومثقفون وموسوعيون وذوو سبق فكري، وهم دبلوماسيون محنكون ومحاورون من الطراز الرفيع يمتلكون أسلوباً يمزج الجدّ بالهزل، ويتقنون الخطاب بما يثير اهتمام السامعين من مختلف الأعمار والمستويات.
ونحن نتحدث عن عالم الموضة، فهذا العالم هو عالم ضخم جداً ولا يمكن أن تطاله أزمة من الأزمات الاقتصادية المتتالية التي تعصف بالشركات والبلدان أحياناً، فتصل أرباحه 2.5 تريليون دولار سنوياً، ويتوقع أن تتضاعف أرباحه في السنوات العشر القادمة، لتصل إلى حوالي 5 تريليونات دولار سنوياً، كما أن الموضة تخلق 60 مليون وظيفة حول العالم.
لكن للأسف الشديد تعتبر صناعة‏ الموضة اليوم إحدى أكثر الصناعة تلويثاً للبيئة. فإنتاج وتوزيع المحاصيل، والألياف المستخدمة في صناعة الموضة.. كلها تساهم في تلوث المياه والهواء والتربة، وصناعة الموضة مسؤولة عن 10 من بصمة الكربون في العالم فضلاً عن كونها ثاني أكبر ملوث للمياه العذبة في العالم، ومن العوامل الرئيسية التي تجعل هذه الصناعة ملوثاً للبيئة هو إنتاجها المفرط لمواد الموضة كاستخدام الألياف الاصطناعية مثلا.
وقد دعا أحد البرامج التابعة لمجموعة البنك الدولي مؤخراً إلى ضرورة الابتعاد عن سياسات إنتاج ملابس بتكلفة منخفضة لخطورته على الكوكب، حيث يتم إرسال حوالي 85 من المنسوجات إلى مدافن النفايات أو المحارق، ونحو 60 من المنسوجات يتم التخلص منها خلال سنة من صنعها، ما يفرض على أصحاب الموضة والشركات العالمية الكبرى التفكير في حلول مستدامة حفاظاً على مستقبل الإنسان والبيئة.