على كل من يبحث عن دليل إلى أي مدى يمكن أن تصبح السياسة جنونية أحيانا أن ينظر إلى «كتالونيا» حالياً. ففي وقت سابق من هذا الشهر، صوّت الانفصاليون «الكتالان» في البرلمان الإسباني ضد مقترح الميزانية الوطنية لسنة 2019 الذي قدمه رئيس الوزراء الاشتراكي «بيدرو سانشيز»، وهو ما يعني تنظيم انتخابات عامة مبكرة في أواخر أبريل المقبل. تصويت الانفصاليين بهذه الطريقة كان رداً منهم على سانشيز لأنه رفض الموافقة على استفتاء حول استقلال كتالونيا. وللتذكير، فإن الاستفتاء الأخير الذي أجري في أكتوبر 2017، والذي اعتُبر غير قانوني من قبل المحكمة الدستورية في إسبانيا وقوطع من قبل المعارضين للاستقلال، أغرق إسبانيا في أسوء أزمة سياسية عرفتها منذ وفاة الجنرال فرانشيسكو فرانكو في 1975.
وبفرضهم لانتخابات مبكرة وبالنظر إلى السقوط الممكن لحكومة «سانشيز»، التي وصلت إلى السلطة في يونيو عقب تصويت بسحب الثقة من رئيس الوزراء «ماريانو راخوي» من الحزب الشعبي المحافظ، يبدو الانفصاليون الكتالان مستعدين لاغتنام أفضل فرصة تتاح لهم منذ عقود للدفع باستقلال كتالونيا. والحال أن حكومة سانشيز دعمت حوارا مع الانفصاليين الكتلان، وعينت العديد من الكتالان في مناصب حكومية مهمة، مثل «ميريتسيل باتي»، المسؤولة عن إدارة الشؤون الإقليمية، ووافقت على زيادة مهمة في الإنفاق العام في كتالونيا لسنة 2019. بل إنها وافقت حتى على محادثات حول تعديل الدستور الإسباني لتوسيع الحكم الذاتي لكل الجهات الإسبانية.
هذه المكاسب يمكن أن تمحى بسرعة في حال عاد الحزب الشعبي إلى السلطة، وهو شيء يبدو أن الانفصاليين واعون به عندما صوّتوا ضد مقترح الميزانية. فقد أفادت صحيفة «إل باييس» بأن زعماء الانفصاليين صوّتوا «بوجوه حزينة» لأنهم كانوا يعلمون أنهم يسهمون على الأرجح في صعود حكومة جديدة يمكن أن تعيد فرض السيطرة المباشرة لمدريد على كتالونيا مثلما فعلت حكومة راخوي في 2017.
وبالفعل فهناك احتمال كبير لأن تكون حكومة يمينية جديدة في مدريد أقل تسامحاً بكثير مع الحركة الانفصالية الكتالونية من راخوي. ثم إنه منذ رحيل راخوي عن السلطة، زاد الحزب الشعبي من تشديد موقفه من الحركة الانفصالية الكتالونية، وخاصة بسبب صعود «فوكس»، وهو حزب جديد من اليمين المتطرف حقق نتائج جيدة في الانتخابات الجهوية في الأندلس في ديسمبر الماضي، عندما فاز بـ12 مقعدا في البرلمان الأندلسي بفضل برنامج انتخابي شمل خطابا مناوئا للمهاجرين وخطا متشددا تجاه أزمة كتالونيا. وقد ذهب «فوكس» إلى حد الدعوة إلى إلغاء نظام الحكم الذاتي الجهوي وحظر الأحزاب السياسية الانفصالية.
ولكن، لماذا قد يرغب الانفصاليون في هذه النتيجة؟ لسبب بسيط ألا وهو أن الطريق إلى تأمين استقلال كتالونيا يظل عصيا وصعب المنال. ذلك أنه منذ 2011، رفضت كل من الحكومات المحافظة والديمقراطية الاجتماعية في مدريد استفتاء حول استقلال كتالونيا مرخصا له من قبل الدولة. ولهذا، يراهن الانفصاليون الكتالان اليوم على ادعاء المظلومية السياسية ولعب دور الضحية كأفضل استراتيجية لإعادة إطلاق مشروع الاستقلال. ولهذا الغرض، هم في حاجة لتصوير كتالونيا كضحية لقمع مدريد الوحشي على أمل أن يُكسب هذا قضيتهم دعما دوليا.
ولكن حتى تنجح استراتيجية المظلومية، يحتاج الانفصاليون لعقبة أفضل في مدريد من سانشيز وحكومته الاشتراكية. فبدلا من الحوار والتنازل، يبدو أن الانفصاليين يرغبون في التعنت والتصلب – وربما حتى قليل من العنف. بعبارة أخرى، إنهم يريدون حكومة يقودها «الحزب الشعبي» مدعومة بفوكس وسيودادانوس، وهو حزب من يمين الوسط من كتالونيا عارض استقلال كتالونيا بشدة. ونظراً للانقسام الكبير الذي يميز النظام الحزبي، فإنه من الصعب التكهن بنتائج انتخابات ما زال يفصلنا عنها أكثر من شهر. ولكن بالنظر لاستطلاعات الرأي الأخيرة، من السهل تخيل الحزب الشعبي قادرا على تنحية سانشيز – بدعم من سويدادانوس وفوكس.
غير أن تداعيات حكومة ائتلافية يقودها الحزب الشعبي وتضم حزب فوكس ستمتد إلى ما هو أبعد من موضوع كتالونيا. إذ ستكون تلك المرة الأولى التي ينجح فيه حزب يميني متطرف في الوصول إلى حكومة إسبانية منذ وفاة فرانكو. كما أن تأثير ذلك على الديمقراطية الإسبانية سيكون كبيراً جداً على اعتبار أنه قد يجلب معه هجوما على حقوق النساء والمهاجرين التي اكتُسبت بعد نضال طويل وتضحيات كثيرة. وعلاوة على ذلك، فإن حكومة من هذا القبيل يمكن أن تُطلق موجة من القومية التي ليس لها نظير في إسبانيا منذ نظام فرانكو، موجة تُضعف الحكم الذاتي الجهوي ليس في كتالونيا فقط، وإنما في جهات أخرى أيضا مثل بلاد الباسك.
وعليه، ينبغي على الانفصاليين أن يدركوا أنه من غير الواضح كليا أن تسهم حكومة يمينية في تقريب جهتهم من الاستقلال. بل إن ثمة احتمالا كبيرا لأن تكون نتيجة استراتيجية المظلومية في كتالونيا هي تقويض الديمقراطية في إسبانيا برمتها.
وبفرضهم لانتخابات مبكرة وبالنظر إلى السقوط الممكن لحكومة «سانشيز»، التي وصلت إلى السلطة في يونيو عقب تصويت بسحب الثقة من رئيس الوزراء «ماريانو راخوي» من الحزب الشعبي المحافظ، يبدو الانفصاليون الكتالان مستعدين لاغتنام أفضل فرصة تتاح لهم منذ عقود للدفع باستقلال كتالونيا. والحال أن حكومة سانشيز دعمت حوارا مع الانفصاليين الكتلان، وعينت العديد من الكتالان في مناصب حكومية مهمة، مثل «ميريتسيل باتي»، المسؤولة عن إدارة الشؤون الإقليمية، ووافقت على زيادة مهمة في الإنفاق العام في كتالونيا لسنة 2019. بل إنها وافقت حتى على محادثات حول تعديل الدستور الإسباني لتوسيع الحكم الذاتي لكل الجهات الإسبانية.
هذه المكاسب يمكن أن تمحى بسرعة في حال عاد الحزب الشعبي إلى السلطة، وهو شيء يبدو أن الانفصاليين واعون به عندما صوّتوا ضد مقترح الميزانية. فقد أفادت صحيفة «إل باييس» بأن زعماء الانفصاليين صوّتوا «بوجوه حزينة» لأنهم كانوا يعلمون أنهم يسهمون على الأرجح في صعود حكومة جديدة يمكن أن تعيد فرض السيطرة المباشرة لمدريد على كتالونيا مثلما فعلت حكومة راخوي في 2017.
وبالفعل فهناك احتمال كبير لأن تكون حكومة يمينية جديدة في مدريد أقل تسامحاً بكثير مع الحركة الانفصالية الكتالونية من راخوي. ثم إنه منذ رحيل راخوي عن السلطة، زاد الحزب الشعبي من تشديد موقفه من الحركة الانفصالية الكتالونية، وخاصة بسبب صعود «فوكس»، وهو حزب جديد من اليمين المتطرف حقق نتائج جيدة في الانتخابات الجهوية في الأندلس في ديسمبر الماضي، عندما فاز بـ12 مقعدا في البرلمان الأندلسي بفضل برنامج انتخابي شمل خطابا مناوئا للمهاجرين وخطا متشددا تجاه أزمة كتالونيا. وقد ذهب «فوكس» إلى حد الدعوة إلى إلغاء نظام الحكم الذاتي الجهوي وحظر الأحزاب السياسية الانفصالية.
ولكن، لماذا قد يرغب الانفصاليون في هذه النتيجة؟ لسبب بسيط ألا وهو أن الطريق إلى تأمين استقلال كتالونيا يظل عصيا وصعب المنال. ذلك أنه منذ 2011، رفضت كل من الحكومات المحافظة والديمقراطية الاجتماعية في مدريد استفتاء حول استقلال كتالونيا مرخصا له من قبل الدولة. ولهذا، يراهن الانفصاليون الكتالان اليوم على ادعاء المظلومية السياسية ولعب دور الضحية كأفضل استراتيجية لإعادة إطلاق مشروع الاستقلال. ولهذا الغرض، هم في حاجة لتصوير كتالونيا كضحية لقمع مدريد الوحشي على أمل أن يُكسب هذا قضيتهم دعما دوليا.
ولكن حتى تنجح استراتيجية المظلومية، يحتاج الانفصاليون لعقبة أفضل في مدريد من سانشيز وحكومته الاشتراكية. فبدلا من الحوار والتنازل، يبدو أن الانفصاليين يرغبون في التعنت والتصلب – وربما حتى قليل من العنف. بعبارة أخرى، إنهم يريدون حكومة يقودها «الحزب الشعبي» مدعومة بفوكس وسيودادانوس، وهو حزب من يمين الوسط من كتالونيا عارض استقلال كتالونيا بشدة. ونظراً للانقسام الكبير الذي يميز النظام الحزبي، فإنه من الصعب التكهن بنتائج انتخابات ما زال يفصلنا عنها أكثر من شهر. ولكن بالنظر لاستطلاعات الرأي الأخيرة، من السهل تخيل الحزب الشعبي قادرا على تنحية سانشيز – بدعم من سويدادانوس وفوكس.
غير أن تداعيات حكومة ائتلافية يقودها الحزب الشعبي وتضم حزب فوكس ستمتد إلى ما هو أبعد من موضوع كتالونيا. إذ ستكون تلك المرة الأولى التي ينجح فيه حزب يميني متطرف في الوصول إلى حكومة إسبانية منذ وفاة فرانكو. كما أن تأثير ذلك على الديمقراطية الإسبانية سيكون كبيراً جداً على اعتبار أنه قد يجلب معه هجوما على حقوق النساء والمهاجرين التي اكتُسبت بعد نضال طويل وتضحيات كثيرة. وعلاوة على ذلك، فإن حكومة من هذا القبيل يمكن أن تُطلق موجة من القومية التي ليس لها نظير في إسبانيا منذ نظام فرانكو، موجة تُضعف الحكم الذاتي الجهوي ليس في كتالونيا فقط، وإنما في جهات أخرى أيضا مثل بلاد الباسك.
وعليه، ينبغي على الانفصاليين أن يدركوا أنه من غير الواضح كليا أن تسهم حكومة يمينية في تقريب جهتهم من الاستقلال. بل إن ثمة احتمالا كبيرا لأن تكون نتيجة استراتيجية المظلومية في كتالونيا هي تقويض الديمقراطية في إسبانيا برمتها.
عمر دجي. إنكارناسيون
أستاذ الدراسات السياسية بكلية «بارد كوليدج» في نيويورك
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/02/25/opinion/spain-catalonia-election.html
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/02/25/opinion/spain-catalonia-election.html