الكثيرون صاروا محصَّنين أو مخدَّرين إزاء الهجوم اليومي على الحقيقة التي باتت تمثِّله رئاسة ترامب، «واقع بديل» تخلت فيه كوريا الشمالية عن أسلحتها النووية وربما لم تقم فيه روسيا بمهاجمة انتخاباتنا في 2016 أيضاً. الأمر سيكون مثيراً للضحك لو أنه لم يكن خطيراً. فالرؤساء يفترض أن يحافظوا على الإجماع، لا أن يخترعوا أشياء خيالية لإضعافه. وأخطر اصطدام للإدارة الحالية مع الحقائق هو محاولتها عرقلة الجهود الأميركية للانضمام إلى دول العالم في مواجهة تغير المناخ، إذ يخطط البيت الأبيض لعقد اجتماع لـ«خبراء» من أجل «تحديد» ما إنْ كان تغير المناخ يمثل تهديداً للأمن القومي. ولكننا نعرف كيف ستكون نتيجة هذا الاجتماع: ذلك أن مجلس ترامب المؤلف من ثلة من المشككين والمنكرين سيجتمع من أجل إلغاء 26 عاماً من الإجماع المبني على الحقائق على أن تغير المناخ يمثّل عاملاً مضاعفاً للخطر بالنسبة للأمن الوطني.
وبينما نتجه نحو نقاط تحول بيئية لا رجعة فيها، ليس لدينا أي وقت لنضيعه في الجدال حول «الحقائق البديلة» فقط من أجل قضاء سنوات أكثر في إعادة بناء الثقة في «الحقائق». فبعد عشر سنوات من اليوم، لن تستطيع أي لجنة إعادة الصفائح الجليدية إلى الوضع الذي كانت عليه أو وقف المد البحري المتصاعد.
ولنبدأ بالحقائق، أو تلك «الأشياء العنيدة» كما وصفها جون أدامس (ثاني رئيس للولايات المتحدة). ففي 1991، خلصت إدارة الرئيس جورج بوش الأب ضمن استراتيجيتها للأمن القومي إلى أن التهديدات من قبيل تغير المناخ، التي «لا تحترم أي حدود دولية»، «تساهم في النزاعات السياسية». واللافت أن كل واحد من الرؤساء الذين أعقبوا بوش الأب أدرجوا تغير المناخ ضمن استراتيجياتهم للأمن القومي. وحتى بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، حرصت إدارة الرئيس جورج بوش الابن على ترك حيز ضمن استراتيجيتها للأمن القومي لـ2002 للتحذير من «التدخل البشري الخطير في المناخ العالمي».
فهل كانت أربع إدارات أميركية على خطأ؟ كلا. إن مصدر الأساس الواقعي لخطر تغير المناخ ليس السياسيين، وإنما أجهزة الأمن القومي، بما في ذلك وكالات الاستخبارات. ففي 2007، وصف أحد عشر قائداً عسكرياً متقاعداً يشكلون المجلس الاستشاري العسكري في الـ«CNA»، وهو مركز أبحاث بحري في أرلينغتون، تغيرَ المناخ في 2007 بأنه «عامل مضاعف لخطر عدم الاستقرار». وبعد سبع سنوات على ذلك، ناشد 16 ضابطاً عسكرياً متقاعداً، يمثلون كل أفرع القوات المسلحة الأميركية، الشعب الأميركي إدراك خطورة التغير المناخي، معتبرين إياه «مبعث قلق واضح بخصوص الأمن القومي» لأن «الوقت والمد لا ينتظران أحداً».
وعليه، فربما يجدر بالرئيس الأميركي التحدث مع الحكماء الذين كان يثق فيهم ذات يوم بما يكفي لشغل أرفع مناصب الأمن القومي في إدارته. فهذا مدير الاستخبارات الوطنية «دانييل كوتس» اعتبر أن تغير المناخ سيزيد من «خطر الاضطرابات الاجتماعية، والهجرة، والتوترات في بلدان مثل مصر وإثيوبيا والعراق والأردن». والعام الماضي، قال وزير الدفاع آنذاك جيم ماتيس للجنة القوات المسلحة: «إن تغير المناخ يؤثر على الاستقرار في مناطق من العالم تقوم فيها قواتنا بعمليات اليوم».
على أن الأمر لا يقتصر على التأثيرات العسكرية. فإذا كان تغير المناخ ليس هو الذي أدى إلى صعود تنظيم «بوكو حرام» الإرهابي في نيجيريا، فإن الجفاف الشديد الذي شهدته البلاد وعجز الحكومة عن التعاطي معه ساعدا على خلق الأوضاع المضطربة التي استغلها المقاتلون للسيطرة على قرى، وقتل معلمين، واختطاف مئات الفتيات البريئات.
وفضلاً عن ذلك، فإن احتمال ظهور مناخ أكثر جفافاً عبر الشرق الأوسط وأجزاء من آسيا سيشكل ضغطاً متزايداً على أهم مورد من الموارد على الإطلاق، ألا وهو الماء العذب. وقد رأينا منذ بعض الوقت تصاعد توترات حول أحواض النيل، ونهر السند في آسيا الوسطى، ونهر ميكونغ في جنوب شرق آسيا. ومعلوم أن المناطق التي تواجه اضطرابات، وعدم استقرار، وحكماً ضعيفاً هي أرضيات خصبة للتطرف العنيف. كما أن تغير المناخ لن يعمل سوى على مفاقمة الهجرة الجماعية في أماكن تعاني أصلاً من مشاكل اقتصادية وسياسية واجتماعية.
وبالطبع هناك بعض الأشخاص الذين يشجعون محاولة الرئيس إزالة تغير المناخ من اعتبارات الأمن القومي الأميركي، وهم يعيشون في بكين وموسكو. فمنذ سنوات تستعد روسيا والصين للمنافسة على الموارد، والتداعيات العسكرية، والتحديات الجيواستراتيجية التي سيطرحها تغير المناخ في القطب الشمالي المتأثر بالمناخ ودائم التغير. ويالها من هدية كبيرة لهم إذا توقفنا عن إنجاز تقييماتنا الخاصة لأن رؤوسنا مدفونة في الرمل بينما أنظارهم متجهة نحو سهول «تندرا» القطب الشمالي.
والواقع أنه يمكننا أن نمضي العامين المقبلين في الجدال حول ما إن كان (اثنان زائد اثنين تساوي خمسة). ولكن معنى ذلك أنه يوماً ما سيتعرض عسكري أميركي شاب لمكروه على الأرجح بسبب ضياع الحقيقة. ولهذا، دعونا نناقش كيف ينبغي لنا أن نعالج التهديد الذي يشكله المناخ بالنسبة للأمن القومي، وليس ما إن كان حقيقياً. سيدي الرئيس، اصغِ إلى قادتنا العسكريين وحل لجنتك المنكِرة لتغير المناخ.
*وزير الخارجية الأميركي من 2013 إلى 2017
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»