الجولة الآسيوية الناجحة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أظهرت تباشير تعزز النجاحات المستمرة لدولة الإمارات على مستوى آسيا، وحفلت زيارة سموه لجمهورية كوريا الجنوبية وجمهورية سنغافورة بنتائج مبهرة. مما يعكس الحضور الإماراتي المتميز والشراكات الناجحة للدولة على مستوى آسيا وقواها الصاعدة عالمياً.
وكلما قررت قيادة الإمارات التركيز على وجهة عالمية جديدة لتطوير الشراكات الاقتصادية الشاملة، يكون النجاح حليفها، وتنفتح آفاق جديدة لتعزيز العلاقات وتطوير رؤى مستقبلية للاستثمار وتشجيع المزيد من الخطوات المتصلة بالتبادل الاقتصادي في محاور متعددة، تضم التجارة والتصنيع ومستقبل المواصلات والابتكار.
ومن خلال مؤشرات ملموسة نجد أن ملف الشراكات الإماراتية مع القوى الآسيوية الاقتصادية، مثل الصين والهند، يكتسب بعداً محورياً لدى قيادة الدولة، لاسيما لجهة متابعة تنفيذ الاتفاقيات والمشروعات الثنائية. لذلك أصبح حجم التعاون الإماراتي الصيني يضع الشركاء الآخرين أمام مؤشرات ودلالات مهمة، أبرزها أن الإمارات تتعاطى مع شركائها في الملفات الاقتصادية بطموح يحفز على توقيع اتفاقيات ثنائية إضافية، سيكون لها أثرها الكبير والمجدي على مستوى اقتصاديات آسيا والعالم.
ويمكننا القول إن دولة الإمارات العربية المتحدة تجسّد بأداءٍ عملي وحس قيادي رفيع المستوى مفهومَ تبادل وتعزيز المصالح والمنافع المشتركة. وفي الوقت الذي تبتكر فيه الإمارات آليات لتحقيق هذه الغاية، ينتقل مفهوم تبادل المصالح من الطابع البروتوكولي اللفظي إلى مرحلة التجسيد ثم إلى حصد ثمار التعاون، بعد بلورته في خطوات ومشروعات مع الشركاء.
وللإمارات تجربة ملهمة في جلب الاستثمارات الخارجية، بالتوازي مع تنويع مصادرها واستثماراتها على قاعدة الاستدامة وتعدد الشراكات واتساع نطاقها الجغرافي. ومن الطبيعي أن تطمح الدول الأخرى في علاقاتها إلى تحقيق منافع ومصالح لشعوبها، وهذا التكافؤ من حيث حصد الثمار المرجوة من المسائل التي تجيدها الإمارات وتضعها في صلب الاهتمام من قبل القيادة أثناء تحركاتها الخارجية ومن خلال أداء الدبلوماسية الإماراتية عموماً.
وعلى ضوء ما يمكن استنتاجه من استمرار الإمارات في التوجه نحو دول آسيا، ومن خلال قراءة النتائج التي حققتها زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد لجمهوريتي كوريا وسنغافورة، جاءت أولى الثمار عبر الإعلان الإماراتي الكوري عن إنشاء أكبر منشأة عالمية لتخزين النفط في إمارة الفجيرة، بسعة تبلغ 42 مليون برميل من النفط الخام. وهو المشروع الاستراتيجي الذي يمتلك مقومات لتحقيق أكثر من هدف، أبرزها الرد على إيران وابتزازها المتكرر لسوق النفط العالمي من خلال التلويح بإغلاق مضيق هرمز، بينما يقع خزان النفط الإماراتي على بحر العرب، ويضع الأحلام الإيرانية في خانة الفشل. ومن جهة أخرى سوف تتمكن الإمارات من تحقيق ضمانات لسوق النفط العالمي بوجود أكبر مخزون لتلبية الطلب. كما يوفر هذا المشروع العملاق المزيد من الفرص لإطلاق مشروعات صناعة بتروكيماوية جديدة.
إن توظيف السياسة لخدمة الاقتصاد من الأمور التي تغيب عن كثير من الدول، لكن الإمارات تتجه بخطى ثابته نحو التركيز على جعل المصالح في المقدمة، وهذا المستوى من التفكير الاستراتيجي ينبع من الحرص على التنمية واستثمار الموارد المتاحة للتخطيط بشكل جيد من أجل رفاهية أجيال المستقبل.
ومن الثمار التي قطفتها الجولة الآسيوية الناجحة، توقيع الإمارات وسنغافورة إعلان شراكة شاملة بين البلدين، إضافة إلى توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم. فيما كان الحدث الأبرز والذي سيكون له صدى عالمي في المستقبل، التوقيع على اتفاقية بين الإمارات وكوريا لبناء أكبر مشروع على مستوى العالم لتخزين النفط الخام في إمارة الفجيرة، بالإضافة إلى توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في إطار تعزيز التعاون الاستراتيجي بين الإمارات وكوريا، شملت المجالات السياسية والاقتصادية والسياحية والزراعية والبيئية والصناعات المتقدمة والتقنيات الحديثة والطاقة.
ويبقى العنوان الأبرز للجولة الآسيوية الجديدة مرتبطاً بتوجه إماراتي نحو تحقيق توازن اقتصادي في الاستثمارات والشراكات الخارجية. ولا ننسى أن الرئيس الصيني زار الإمارات في يوليو الماضي، وكانت تلك الزيارة وما أسفرت عنه من اتفاقيات مؤشراً على انعطافة إماراتية مدروسة نحو منافذ الاقتصاد الآسيوي التي تشكل ثقلاً عالمياً كبيراً.