أربعة من كبار الضباط السابقين والاحتياطيين، هم بِني غانتز ويائير لابيد وموشي يعلون وغابي أشكينازي، قرروا أن يتحالفوا ويخوضوا في 9 أبريل المقبل، المعركة على لائحة موحدة ضد بنيامين نتنياهو وحزبه «ليكود». لقد اتفقوا على صيغة من المداورة في رئاسة الحكومة بين غانتز ولابيد، تاركين للمراقبين التكهن حول احتمالات نجاح الصيغة المذكورة. فالأهداف التي تجمع هؤلاء قليلة جداً، وربما جاز اختصارها في أمر واحد: إسقاط نتنياهو. البحث عن قواسم مشتركة أخرى لا يفضي إلى نتيجة: إذا صحّ مثلاً وصف غانتز بأنّه ينضوي في يسار الوسط، فإن يعلون يتموضع في أقصى اليمين.
السابقة التي حصلت في عام 1999 تشجّع المتحمّسين لإسقاط رئيس الحكومة الحالي: فآنذاك حاول ثلاثة جنرالات بينهم رئيسا أركان سابقان (إيهود باراك وأمنون ليبكين واسحق مردخاي) فعل الشيء نفسه ونجحوا في إطاحة نتنياهو. وغني عن القول إن دور العسكريين المتقاعدين في سياسة إسبرطة الإسرائيلية جزء عضوي من هذه السياسة نفسها: يكفي أن نستعيد أسماء بعض رؤساء الحكومات والوزراء الذين جاؤوا من الجيش: اسحق رابين، إيغال آلون، حاييم وايزمن، موشي دايان، إيغال يادين، أرييل شارون، إيهود باراك..
نتنياهو يصوّر الأمر بوصفه استقطاباً حاداً بين اليمين واليسار، الأمر الذي لا ينطبق على واقع الحال. وهو بهدف توسيع قاعدته الانتخابية في بيئة اليمين، لم يوفّر جهداً لتشريع حزب «القوة اليهودية» العنصري ومُستلهم أفكار الحاخام مائير كاهانا الذي قُتل في نيويورك عام 1990. لكن إعادة تأهيل هذا الحزب الذي أُسس في 2012، وبقي خارج دائرة المقبولية السياسية، تثير ردود فعل سلبية وحادة. حتى «لجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية» (أيباك) عبّرت عن معارضتها واستيائها من هذا السلوك. ومن جهة أخرى، وفي سياق التحريض على منافسيه، اتهمهم نتنياهو بالتعويل على أصوات الكتلة العربية، رامياً إلى التخويف منهم وتأجيج المشاعر القومية والشوفينية ضدهم.
لكنْ حتى هنا ثمة إشكال لا يخلو من تعقيد: ففي الانعطاف العام نحو اليمين الذي يشهده المجتمع الإسرائيلي، قد يعجز نتنياهو عن منع تجاوزه سياسياً وأيديولوجياً بما قد يفتّت صوت اليمين. يصح هذا خصوصاً في طامحين لا يكتمون رغبتهم في منافسته، وأيضاً في المزايدة عليه، كنفتالي بنيت وأفيغدور ليبرمان.
مسألة أخرى تطرح نفسها في الانتخابات المقبلة: لقد حكم نتنياهو إسرائيل 13 سنة، ما بين 1996 و1999، ثمّ منذ 2009 حتّى الآن من دون انقطاع، واستفاد من التحولات الديموغرافية التي شهدها المجتمع الإسرائيلي، وأهمها تعاظم وزن الشرقيين، كما استفاد من انسداد التسوية في المنطقة، وتصاعد النزعة الشعبوية في إسرائيل كما في بلدان عديدة أخرى. إلى ذلك صبّت تحولات الحياة الحزبية، أو بالأحرى انهياراتها، في صالحه: فقد تصدع حزب «كاديما» (إلى الأمام)، المنشق عن ليكود، والذي أسسه أرييل شارون في 2005 ثمّ تولى قيادته إيهود أولمرت الذي انتهت تجربته في السلطة عام 2009. ومؤخراً انهار «الاتحاد الصهيوني» الذي جمع «حزب العمل» بقيادة آفي غاباي، وحزب «الحركة» بقيادة وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني. ليس هذا فحسب: ف«العمل» الذي يُعد الحزب المؤسس لإسرائيل وحكمها بين عامي 1948 و1977 دون انقطاع، كما أعطاها بعض أبرز رموزها (بن غوريون، غولدا مائير، رابين..)، صار هامشياً وقد يفشل في إيصال كتلة برلمانية متواضعة إلى البرلمان. أمّا حزب «الحركة»، الذي تأسس في 2012 بوصفه انشقاقاً عن «كاديما»، واعتبر أن التوصل إلى «حل الدولتين» مع الفلسطينيين أهم قضاياه، فلن يخوض الانتخابات البرلمانية أصلاً، كما أن قائدته ليفني أعلنت مغادرتها الحياة السياسية جملة وتفصيلاً.
وحين تؤخذ في الاعتبار هذه العناصر مجتمعةً، يغدو مفهوماً ذاك التعادل الذي يتحدّث عنه المراقبون واستقصاءات الرأي العام، فيما يذهب بعضهم إلى أن العنصر الخارجي ومسار التسوية مع الفلسطينيين سيكونان الحاسمين، سلباً أو إيجاباً.