تشهد العلاقات الهندية- السعودية تقدماً في كل المجالات تقريباً منذ الزيارة التي قام بها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز إلى الهند عام 2016. ومنذ ذاك التاريخ، ساهمت عدد من الزيارات المتبادلة لرؤساء وزراء هنود وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، كأمير لمنطقة الرياض أولا، ثم كولي للعهد لاحقا، في الرقي بالعلاقات الثنائية إلى مستويات غير مسبوقة من حيث القوة والمتانة.
الزيارة التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الهند مؤخراً، بعد يوم واحد على زيارته إلى باكستان، جاءت وسط توترات متزايدة في شبه القارة الهندية.
وتُعد الهند والسعودية بلدين كبيرين في منطقتيهما وتربطهما روابط حضارية وثقافية وثيقة. روابط ما زالت متواصلة في الزمن الحالي إذ يعيش ويعمل في السعودية 2?7 مليون هندي، كما أن حجم التجارة البينية ناهز 27?5 مليار دولار العام الماضي. وقد حددت المملكة الهندَ، التي تُعتبر واحدةً من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، من بين ثمانية شركاء استراتيجيين تعتزم تعميق الشراكة معهم في مجالات متنوعة، أكانت سياسية أو أمنية أو تجارية أو استثمارية أو ثقافية.
وإلى ذلك، يتقاسم البلدان التزاما بالسلام والاستقرار، ولهذا، حددا العنف المتطرف باعتباره الآفة الرئيسية التي تهدد الاستقرار والرخاء في فضائهما الجغرافي المشترك. كما اتفق البلدان على نقل علاقاتهما إلى ما أبعد من العلاقات الاقتصادية الثنائية وأيضاً المتعلقة بمجال الطاقة، والرقي بها إلى مستوى «شراكة استراتيجية» مهمة، يعمل فيها البلدان معاً من أجل الأمن والسلام الإقليميين. وفي هذا السياق، اتفق الزعيمان خلال اجتماعاتهما على تعزيز تعاونهما في محاربة الإرهاب والعنف ضماناً لأمن الأجيال المقبلة. وعقب المحادثات، قال رئيس الوزراء الهندي إنهما اتفقا على «ممارسة الضغط على البلدان التي تدعم الإرهاب... من أجل إنهاء البنية التحتية للإرهاب الداعم للتنظيمات الإرهابية». وفي الوقت نفسه، قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إن «التطرف والإرهاب يمثلان مبعث قلق مشترك وسنتعاون مع الهند بكل الطرق الممكنة». كما أشاد رئيس الوزراء الهندي بتشجيع ولي العهد السعودي لـ«الاعتدال والانفتاح» في المملكة، ومن جانبه، عبّر ولي العهد عن إعجابه بالنموذج الهندي القائم على «الإدماج والتعددية والتسامح».
وخلال الزيارة، وقّع البلدان اتفاقيات في خمس مجالات شملت السياحة والإسكان والاستثمارات والمعلومات والبث. كما اتفق الجانبان على إجراء «تمرينات بحرية مشتركة في أقرب وقت ممكن، واتفقا على توسيع التمرينات الثنائية أكثر في مجالات أخرى». كما كان ثمة اتفاق على التعاون في الإنتاج العسكري المشترك لقطع غيار لأنظمة برية وبحرية، إلى جانب تطوير سلسلة إمداد تماشياً مع برنامج «صنع في الهند» الذي أطلقه رئيس الوزراء مودي و«رؤية 2030» التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
البيان المشترك الذي صدر في أعقاب الزيارة كان مفصلاً وشاملاً إلى حد كبير، وهو ما يدفع بالعلاقات الثنائية إلى الأمام في المجالات ذات الاهتمام المشترك، وقد ركز على عكس «الشراكة الاستراتيجية» الناشئة بين البلدين. وعلى نحو صائب، أولى البيان اهتماماً معتبراً لمسائل الطاقة والتجارة والاستثمارات، إذ شدد الجانب السعودي على أن ثمة فرصاً في الهند «تقدر بمئة مليار دولار». وإضافة إلى ذلك، فإن عملية الحوار الثنائي أصبحت مُمَأسسة: إذ أنشئ «مجلس الشراكة الاستراتيجية» على أعلى المستويات لمراقبة التقدم، بينما من المنتظر عقد «حوار أمني شامل» على مستوى «مستشاري الأمن الوطني» للبلدين من أجل التعاطي مع محاربة الإرهاب.
ومما لا شك فيه أن للهند وزنها الخاص كقوة صاعدة في جنوب آسيا، وأن السعودية، من خلال سياسة «النظر شرقاً»، تدرك أهمية الهند كاقتصاد نامٍ وترغب في تمتين العلاقات الثنائية أكثر. أما بالنسبة للهند، فإن السعودية تُعتبر مهمة بالنظر لأمن الطاقة ولوجود جالية هندية كبيرة تُعتبر مصدراً لتحويلات مالية ضخمة تساهم في تقوية الاقتصاد الهندي.
ومنذ وصوله إلى السلطة قبل خمس سنوات، نجح رئيس الوزراء الهندي في تعزيز علاقات نيودلهي مع بلدان الخليج العربي، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وبالنظر إلى وزن الهند العالمي، فلا شك أن الاستقبال الذي خُصص لولي العهد محمد بن سلمان من قبل نيودلهي يؤكد قوة العلاقات بين البلدين. أما بالنسبة لرئيس الوزراء مودي، الذي يتطلع لإعادة الانتخاب في غضون شهرين، فإن زيارة ولي العهد السعودي شكّلت مناسبة مهمة لإظهار دعم قوة إسلامية كبيرة له.