ثلاث دول أثارت الإعجاب والاحترام في قارة آسيا خلال السنوات الأخيرة بسبب خططها الاستراتيجية لتطوير كرة القدم لديها. الدولة الأولى هي اليابان والتي شهدت تلك الرياضة لديها في العام 1991، أدنى مستوياتها مما جعل الحكومة تدرك ضرورة التحرك وعمل شيء ما لإنقاذ كرة القدم من أزمتها. وكانت النتيجة ثلاث خطوات استراتيجية: الأولى إطلاق «رؤية الـ 100 عام» والتي تهدف إلى تحويل دوري كرة القدم الياباني إلى الأفضل في قارة آسيا، والثانية تأسيس رابطة جديدة لكرة القدم، والثالثة الإعلان عن دوري جديد للمحترفين من المخطط له أن يضم 100 نادي محترف، والهدف النهائي لتلك الاستراتيجية هو الفوز بكأس العالم في العام 2092. وخلال ثلاث سنوات من الإعلان عن «رؤية الـ100 عام»، صعدت اليابان سريعاً لتحتل المرتبة الـ21 في التصنيف العالمي للمنتخبات الصادر عن الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، وأصبح متوسط الحضور الجماهيري الأسبوعي لمباريات كرة القدم يقارب 20,000 ألف متفرج، كما أنها لم تغب عن منافسات كأس العالم منذ عام 1998. ولكن الحكومة اليابانية ترى بأنه سواء فاز منتخب بلادها بكأس العالم سنة 2092 أم لا، فإنها تؤمن بأن النجاح لا يأتي بين ليلة وضحاها، ولذلك وضعت «رؤية الـ 100 عام» وحالياً تحتل اليابان المرتبة الـ 27 في التصنيف العالمي للمنتخبات.
الدولة الثانية هي الهند، والتي شهدت عام 2012م توقيع مذكرة تفاهم بين الحكومة الهندية و«فيفا» تعهدت بموجبها الأخيرة بدعم كرة القدم وزيادة حجم مشاريع تطوير وتسويق اللعبة في إطار مبادرة «الفوز في الهند بالهند». ومن أبرز نتائج تلك المبادرة ارتقاء الهند من المركز الـ 169 عام 2012 إلى المرتبة الـ 103 في العام الحالي ضمن تصنيف «فيفا» للمنتخبات، إضافة إلى المستوى المتميز للغاية للمنتخب الهندي خلال منافسات كأس آسيا 2019م في دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخراً.
أما الدولة الثالثة، فهي «فيتنام» التي عصفت بها في عام 2012 أزمة وطنية سببها الفساد المالي والإداري بالجهات المسؤولة عن كرة القدم، ولكن خلال سبع سنوات فقط نهضت كرة القدم الفيتنامية بفضل التخطيط الحكومي الاستراتيجي الناجح ليرتفع تصنيف المنتخب من المرتبة الـ 172 عام 2006 إلى 99 في العام الحالي. أضف إلى ذلك فوز فيتنام عام 2018 بلقب بطولة الآسيان لكرة القدم، وبلقب وصيف بطل آسيا لمنتخبات تحت الـ 23 عاماً، وبلوغ الدور ربع النهائي في كأس آسيا 2019، التي نظمتها دولة الإمارات مؤخراً.
تلك هي تجارب التخطيط الصحيح في كرة القدم في ثلاث دول آسيوية، حيث أثبت القائمون على اتحادات كرة القدم هناك أن الهدف ليس «التشبث بالمنصب» وإنما «التميز في المنصب»، وبالتالي أصبحت قصص نجاح اليابان والهند وفيتنام في كرة القدم تُروى الآن ولعشرات السنوات القادمة مثلما سيروي العالم أجمع لعقود قادمة قصة نجاح حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة في الوصول لكوكب المريخ عام 2021، أي في الذكرى الخمسين لقيام الدولة.
ولذلك، فأبرز التساؤلات التي ما زالت تُطرح، بعد انتهاء كأس آسيا لكرة القدم 2019، والتي نظمتها الدولة، وإخفاق اتحاد كرة القدم الإماراتي ممثلا بالمنتخب الأول ليس الفوز بها فقط، وإنما الظهور بمستوى متميز أيضاً، هو لماذا لم يستفد اتحاد كرة القدم من دروس الدول الأخرى في تطوير كرة القدم لديها؟ ثم في ظل حماية «فيفا» لاتحادات كرة القدم ورفض إقالتها، لماذا لا يستجيب اتحاد كرة القدم لرغبة الشارع الرياضي بالاستقالة وإفساح المجال لفريق عمل آخر يستطيع وضع المنتخب على طريق الإنجازات الإقليمية والعالمية؟ ثم متى سيتم إضافة قصة نجاح كرة القدم الإماراتية لقصص اليابان والهند وفيتنام وغيرها؟
*باحث إماراتي