يبدو أن الاتهام بالشيوعية سيمثل جزءاً حاسماً من حملة إعادة انتخاب الرئيس دونالد ترامب. فهو يتهم الديمقراطيين بأنهم يريدون تحويل أميركا إلى فنزويلا أخرى. وربما لن يمر وقت طويل حتى يتهم ترامب السيناتورة كامالا هاريس (ديمقراطية) بأنها «يسارية التوجه حتى النخاع». ولأني هاجرت إلى الولايات المتحدة وأنا صبي صغير قادماً من الاتحاد السوفييتي، فإنني غريزياً متشكك في الاشتراكية ومعارض بشكل قاطع للشيوعية. لكن من البلاهة دمج السيناتور بيرني ساندرز (مستقل)، والنائبة ألكسندريا أوكاسيو-كورتيز (ديمقراطية) مع نيكولاس مادورو! ربما يصفون أنفسهم جميعاً بأنهم اشتراكيون، لكن هذا هو الشيء الوحيد الذي يجمع بينهم.
وقد حذر خبير اقتصاد السوق الحر «فريدريش هايك»، في كتابه «الطريق إلى العبودية»، من هذا الخلط، وقال إن الاشتراكية «ربما تعني مجرد المثل العليا للمساواة والعدالة الاجتماعية وهي الأهداف المثلى للاشتراكية».
لقد أساء مادورو وسلفه شافيز إدارة شركة نفط مملوكة للدولة، تمثل كل صادرات فنزويلا النفطية. وقاما بتوسيع الحكومة من خلال جمع أكثر من 500 شركة خاصة، وفرضوا «ضوابط على الأسعار والواردات والعملات الأجنبية». وعندما تراجعت أسعار النفط بشكل كبير، كدّس مادورو الديون، وطبع النقود. وكانت النتيجة تضخماً مفرطاً (377,678% ويتواصل الارتفاع)، وسقوط اقتصادي حر أسوأ من الذي شهدته الولايات المتحدة أثناء الكساد العظيم. وعلى طول الطريق، سحق شافيز ومادورو ما تبقى من ديمقراطية، وقاما بتزوير الانتخابات وحبس أو قتل المعارضين السياسيين. هذا نموذج واحد للاشتراكية، أي ذات النهج الذي تم تطبيقه في كوبا وفي الاتحاد السوفييتي. بيد أن ثمة أنواعاً أو تجارب أخرى أكثر اعتدالًا. فقد شهدت فرنسا رؤساء اشتراكيين بين الحين والآخر منذ عشرينيات القرن الماضي، وهي لا تزال دولة حرة. كما حكم الاشتراكيون في العديد من دول أميركا الجنوبية دون أن يجلبوا لها كوارث. ويستشهد ساندرز نفسه بالنموذج الاسكندنافي. فالإنجاز الذي حققته الدنمارك والنرويج والسويد كان مثيراً للإعجاب بحق: فتلك البلدان غنية مثل الولايات المتحدة من حيث نصيب الفرد من الدخل، لكن لديها قدراً أقل من عدم المساواة في الدخل وتتمتع بشبكة أمان اجتماعي أقوى. وإلى ذلك فهي تتمتع بحرية اقتصادية وسياسية أكبر من الولايات المتحدة. وهي تثبت أن «دولة الرفاهية التي تتمتع بسوق حر» ليست متناقضة. لذا ليس هناك شيء شرير في الرغبة في محاكاة النموذج الاسكندنافي. بيد أن هذا لا يعني بالضرورة أنه شيء عملي. فالاسكندنافيون لديهم معدلات أقل من ضريبة الشركات مقارنة بالولايات المتحدة، لكن الضرائب الفردية أعلى بكثير. كما تفرض الدول الاسكندنافية ضرائب قيمة مضافة ضخمة بنسبة 25% على الاستهلاك. والولايات المتحدة ليس لديها ضريبة مبيعات وطنية. وإجمالاً، تدفع الدول الاسكندنافية ضرائب بقيمة 25,488 دولار للرأس، مقارنة بـ14,793 دولار للرأس في الولايات المتحدة، أي بزيادة نسبتها 72%.
هذا ما يتطلبه الأمر لتمويل دولة رفاهية اجتماعية على الطراز الاسكندنافي. ولا يمكن فعل ذلك ببساطة من خلال رفع معدلات الضرائب الهامشية على أغنى دافعي الضرائب إلى 70%، كما تشير كورتيز، بل يتطلب زيادة الضرائب على الطبقة المتوسطة. وهناك سبب وجيه يجعل ساندرز وأوكاسيو لا يدافعان عن هذا: لأن هذا لا يحظى بشعبية.

*زميل بارز في دراسات الأمن القومي بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»