مرة أخرى، ها هو البرلمان البريطاني يناقش موضوع «بريكسيت»، بينما تسعى رئيسة الوزراء تيريزا ماي لكسب مزيد من الوقت، بينما تحاول فصائلٌ مختلفة التأثيرَ على النتيجة النهائية؟ هدف ماي هو تنفيذ صفقتها المتعلقة بالطلاق من دون إحداث انقسام داخل حزبها. لكن، ما الجديد؟
أحد الأشياء الجديدة هو الوقت المتبقي على الساعة. ذلك أنه لم يتبق سوى 45 يوماً على موعد خروج بريطانيا من الاتحاد في 20 مارس المقبل (اللهم إلا إذا اتفق الطرفان على تمديد المهلة). وإذا لم يحدث شيء، فإن المملكة المتحدة ستخرج من الاتحاد من دون اتفاق. والتداعيات الممكنة لمثل هذه الصدمة السياسية والاقتصادية الكبيرة تدفع الأطراف للتفكير بوضوح.
التغيير الأكبر هو أن حزب العمال البريطاني انضم أخيراً إلى نقاش بريكسيت فعلياً. ففي العامين الماضيين، كان الحزب مكتفياً وسعيداً بالجلوس ورمي الفشار على الحكومة بينما تتكشف تفاصيل الكابوس في داونينغ ستريت تباعاً. ذلك أن بريكسيت كان مشروع المحافظين بالأساس، أما حزب العمال، المنقسم حول الموضوع، فكان يريد من الحكومة أن تتحمل وزر الفوضى بمفردها.
وانتبه كوربن أخيراً إلى حقيقة أن حزبه يوجد في القارب نفسه على غرار الحكومة. والواقع أن مواقفه الجديدة ليست أقل سلبية، لكنها تغيّر الحسابات التي تواجه الحكومة وحزب المحافظين، وحتى الاتحاد الأوروبي في الأسابيع الدقيقة المقبلة. والمثير للسخرية هو أنها تزيد من احتمالات حصول ماي على اتفاقها، إن كنتَ تعتقدُ أن النتيجة يجب أن تكون عقلانية، وتزيدُ من خطر أن ينحى كل شيء منحى سيئاً، إنْ كنتَ تعتقدُ أن الكلمة الأخيرة ستكون للعواطف والولاء للحزب.
حزب العمال غيّر سياساته في مجالين مهمين الأسبوع الماضي. أولاً، تخلى عن إلحاحه على ضرورة أن ينطوي أي اتفاق حول بريكسيت على «المزايا نفسها بالضبط» التي تتضمنها عضوية الاتحاد الأوروبي الفعلية. وهذا بالطبع ليس ممكناً بحال من الأحوال. كما تخلى في صمت عن معارضته السابقة لـ«شبكة الأمان» الإيرلندية، والمقصود بذلك البند المثير للجدل ضمن صفقة ماي الذي يمكن أن يربط بريطانيا بالاتحاد الجمركي التابع للاتحاد الأوروبي بشكل دائم.
وكان كوربن واضحاً العامَ الماضي في قوله إنه «لن تكون ثمة، بكل تأكيد، شبكة أمان لا يمكنك الفرار منها». لكن في رسالة إلى رئيسة الوزراء الأسبوع الماضي توضح مطالبه الخمسة بشأن بريكسيت، اعترف كوربن بأن (أي اتفاق انسحاب ينبغي أن يشمل شبكة أمان)».
شرط كوربن الرئيس هو أن تلتزم المملكة المتحدة بالبقاء في الاتحاد الجمركي التابع للاتحاد الأوروبي، وتواصل التقيد بقوانين التكتل في عدد من المجالات. إنها دعوة إلى أنعم شكل من أشكال بريكسيت وينسجم مع مغادرة سوق الاتحاد الأوروبي المشتركة وإنهاء حرية الحركة. ولنتذكر هنا أن الكثير من الناخبين العماليين الذين صوّتوا لصالح «الانسحاب» كانوا مقتنعين بالحجج المعارضة للمهاجرين في الاستفتاء.
والواقع أن كوربن من المشككين في جدوى مشروع الوحدة الأوروبي منذ السبعينيات، وليست لديه أي رغبة في إلغاء بريكسيت. كما أن برنامج حزبه الانتخابي يتضمن التزاماً بتنفيذ نتيجة استفتاء 2016. غير أن الكثير من مؤيدي «البقاء» داخل حزبه يرغبون في استفتاء ثانٍ، وهذه أيضاً سياسة عمالية رسمية، إذا لم تكن ثمة انتخابات عامة. لكن، وكما قال المعلق السياسي البريطاني روبرت بيستون، فإن الزعيم الاشتراكي «أقل انجذاباً إلى استفتاء منه إلى عرض عمل من مؤسسة غولدمان ساكس». وهكذا، أخذ كوربن، الذي لم يعد يشبه الديمقراطي الذي يدعيه، يدفن فكرة استفتاء ثانٍ في صمت.
الآن، الاعتقاد السائد بين الكثيرين هو أن ماي تسعى لكسب الوقت، ليس إلا. فهي تراهن على أنه، في نهاية هذا الشهر، سيتأكد أن الخيارين البديلين لاتفاقها –لا اتفاق أو لا بريكسيت– غير مقبولين، وأنها ستحصل في النهاية على ما تريد.
وقد تكون ماي على حق، لكن الانتظار سيكون مرعباً بالنسبة للشركات. فقد أظهرت الأرقام المنشورة مؤخراً مدى تأثير حالة عدم اليقين التي خلقتها بريكسيت على الاقتصاد البريطاني.
وعلى أي حال، فكيفما يكن المآل الذي ستؤول إليه المفاوضات وعمليات التصويت، فإنه سيتعين على الحكومة والمعارضة الاتفاق حول هدفين مهمين للغاية: تجنب بريكسيت فوضوية من دون اتفاق، والحفاظ على نص وروح «اتفاق الجمعة العظيمة» الذي جلب السلام إلى إيرلندا الشمالية. وحالياً يمكن القول بأن الطريقين الوحيدين لتحقيق الاثنين، مع تنفيذ بريكسيت (التي يقول كلا الزعيمين إنهما يريدانها) في الوقت نفسه، هما مقترح كوربن أو اتفاق ماي، مضافاً إليه أياً تكن الأشياء التي يشعر الاتحاد الأوروبي بأنه قادر على منحها إياها.
أما في حال رفض زملاء ماي المحافظون الاثنين، فسيتعين على الحكومة في تلك الحالة أن تكون مستعدة لبحث إمكانية إحالة المسألة على الجمهور، إما ضمن استفتاء أو انتخابات جديدة.
تيريز رافاييل*
*محللة سياسية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»