على مدار 15 عاماً، ومنذ رعاية إدارة بيل كلينتون لانضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، دأبت بكين على خرق التزاماتها، لاسيما الحفاظ على أبسط مبادئ المنافسة العادلة في نظام التجارة العالمي، مثل احترام وحماية حقوق الملكية الفكرية. لكن برغم ذلك، غضّ حكماء السياسة الاقتصادية والتجارية في واشنطن الطرفَ عن تلك الخروقات، وزعموا أن السلوكيات الصينية غير القانونية إما أنها ساعدت الاقتصاد الأميركي بإبقاء الأسعار منخفضة أو أن تأثيراتها بلا تبعات. وإلى ذلك، فقد انتابتهم مخاوف من أن مجرد انتقاد الممارسات الصينية غير العادلة، حتى من دون الإقدام على مواجهتها، يمكن أن يفضي إلى ردود فعل حمائية في الداخل الأميركي.
بيد أن هذا الموقف السلبي والافتقار إلى أي تحرك حقيقي لمحاسبة الصين، هما بالتحديد ما أسفرا عن ردود فعل حمائية. وفي الواقع، كان إحباط ملايين الناخبين، خصوصاً في ولايات «الغرب الأوسط» التي تضررت اقتصاداتها المعتمدة على التصنيع من جراء تداعيات الممارسات التجارية الصينية غير العادلة، عاملاً محورياً في وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، مثلما أكد «ديفيد أتور» من معهد ماسوشيستس للتكنولوجيا. وعلى النقيض من هيلاري كلينتون، عبّر ترامب عن مخاوف أولئك الناخبين وتعَهَّد بالتحرك لمعالجتها.
ويحاول ترامب الآن حمل الصينيين على اللعب وفق القواعد، بينما يشعر كثيرون من النخبة في واشنطن بالذعر، ويزعمون أن الحرب التجارية مع الصين قد بدأت، وأن دخول ترامب في هذه الحرب سيخرج عن السيطرة ويفضي إلى الحمائية، إن لم تكن انعزالية كاملة، ومن ثم تدهور حاد في النظام التجاري العالمي.
لكن بدلاً من صبّ جام غضبهم على الأساليب المعيبة التي تتبعها إدارة ترامب، بفرض رسوم جمركية من جانب واحد، يفقد كثيرون الهدف ويهاجمون الغاية ذاتها بمحاولة التقليل من شأن الأضرار الناجمة، في الماضي والحاضر والمستقبل، عن استراتيجية الصين الرامية إلى تحقيق التفوق العالمي في صناعات ذات أهمية استراتيجية «بأي ثمن». وفي الحقيقة، يزعم عدد من رموز النخبة في واشنطن أنه إذا كانت هناك أي مشكلة فيما يتعلق بالمنافسة، فهي إخفاقاتنا في تحسين أشياء مثل التعليم الأساسي والبنية التحتية!
وهذه المسألة كانت محور مقال لـ«لورانس سامرز» نشرته صحيفة «واشنطن بوست». وبصفته وزيراً للخزانة في إدارة كلينتون، لعب «سامرز» دوراً جوهرياً في حمل الكونجرس على إقامة علاقات تجارية طبيعية دائمة مع الصين بعد انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية. وبالنسبة لـ«سامرز»، يعتبر أي شخص يشعر بالقلق من الممارسات الصينية غير العادلة، خصوصاً سرقة الملكية الفكرية والنقل القسري للتكنولوجيا، من المرجفين الذين يذيعون الخوف بلا داعٍ. ويزعم «ساندرز» أن من المستحيل إبطاء تدفق حقوق الملكية الفكرية الأميركية إلى الصين، و«سيكون أمراً غير مثمر» على أي حال. ويرغب «ساندرز» ورموز نخبويون آخرون في صرف الانتباه عن هذه المسألة.
لكن لا يمكننا فعل ذلك، لأن الصين بانتهاك التزاماتها تجاه منظمة التجارة العالمية، تقدم مساعدات مالية ضخمة لتعزيز شركاتها التكنولوجية المحلية، وتطالب بدخول منافسين دوليين في مشروعات مشتركة مع الشركات الصينية مقابل القيام بالعمل في الصين، وتستحوذ على شركات أجنبية من أجل الحصول على أسرار تجارية قيمة، وتحابي الشركات الصينية في سوقها المحلية. وفي الحقيقة، تسرق الصين معرفة تقنية أميركية ضخمة من خلال هجمات إلكترونية وأساليب تجسس تقليدية على الشركات، وهو ما وصفه مدير وكالة الأمن الوطني الأميركية «كيث أليكساندر» بأنه «أكبر عملية نقل للثروة في التاريخ».
وبدلاً من إنكار التهديد الذي تمثله الممارسات التجارية الصينية على الاقتصاد والوظائف والأمن الوطني الأميركي، على النخبة في واشنطن أن تقرّ علانية بأن التهديد خطير، وبأنه لابد من مواجهة الصين، ليس فقط لحماية الاقتصاد والأمن الوطني الأميركيين، وإنما لإنقاذ جوهر نظام التجارة العالمي. ويمكنهم توجيه انتقادات بنّاءة لأساليب إدارة ترامب، بما في ذلك اعتمادها المفرط على الرسوم الجمركية، ورغبتها في حشد ائتلاف عالمي للضغط على الصين من أجل إجراء إصلاحات. وإنكار التهديد الفظيع الذي تمثله أفعال الصين وتوجيه اللوم إلى أنفسنا لن يؤديا إلا إلى تأجيج الحمائية، وإحداث أضرار أكبر.
 
روبرت أتكينسون*

*رئيس مؤسسة تكنولوجيا المعلومات والابتكار
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»