يوم الجمعة الـ15 من فبراير الجاري، عقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤتمراً صحافياً مطولاً في حديقة الزهور بالبيت الأبيض. رسالته الرئيسية في هذا المؤتمر كانت إعلانه حالة طوارئ وطنية من أجل الالتفاف على الكونجرس والحصول على المال من مكان آخر من أجل الجدار الذي وعد به على طول الحدود الأميركية المكسيكية. إذ يعتزم الحصول على المال المطلوب عبر تحويل أموال مرصودة لميزانيات متنوعة تابعة لوزارة الدفاع ووزارة الأمن الداخلي إلى مشاريع أخرى.
إعلان ترامب أتى بعد ساعات على تصويت كلا غرفتي الكونجرس الأميركي على تشريع لتمويل الحكومة الأميركية حتى 30 سبتمبر 2019. هذا التصويت كان ضرورياً من أجل تجنب إغلاق جزئي آخر للحكومة الأميركية. وتتضمن الميزانية الجديدة من جملة ما تتضمنه 1.3 مليار دولار من أجل أشغال إنشاء حواجز جديدة على طول 55 ميلاً من الحدود الأميركية المكسيكية البالغ طولها 2000 ميل. غير أنه بالنسبة لترامب وأكثر مناصريه تشدداً، اعتُبر توافق الكونجرس بشأن الميزانية هزيمةً يجب تصحيحها من خلال إعلان حالة الطوارئ.
معظم الديمقراطيين وعددٌ مهمٌ من الجمهوريين نددوا بعمل الرئيس الذي اعتبروا أنه يمثل خرقاً للتعديل الأول للدستور الأميركي الذي ينص على أن الكونجرس، وليس الجهاز التنفيذي، هو الذي لديه السيطرة على تخصيص الأموال الفيدرالية. وعلى إثر هذا الإعلان، رفعت 16 ولاية أميركية، من بينها كليفورنيا،  دعاوى قضائية تطعن في قانونية الإعلان. دعاوى تقوم على حجتين رئيسيتين هما: أنه لا توجد حالة طوارئ، وأن إعادة تحويل اتجاه مال خصصه الكونجرس لأغراض معينة هو أمر مخالف للقانون. وفضلاً عن ذلك، تخشى بعض الشخصيات الجمهورية البارزة أنه إذا استطاع ترامب إعلان حالة طوارئ استناداً إلى حجة واهية تقول بوجود تهديد وشيك يطرحه المهاجرون غير القانونيين، فإن من شأن هذا أن يؤسس لسابقة قد يستخدمها رئيس ديمقراطي مستقبلاً لإعلان حالة طوارئ وطنية بخصوص عنف الأسلحة النارية، أو معاملة الأقليات، أو تقادم البنية التحتية.
سبب إعلان ترامب حالة الطوارئ يتعلق بمناصريه الأكثر ولاءً ووعوده الكثيرة لهم ببناء جدار عظيم تدفع ثمنه المكسيك. بيد أنه سرعان ما أدرك أن المكسيك لن توافق أبداً على مثل هذا المقترح، فحاول إقناع الكونجرس بتخصيص مبالغ كبيرة من المال للجدار. غير أن انتصار الديمقراطيين في انتخابات 2018 النصفية ونجاحهم في استعادة السيطرة على مجلس النواب بددت هذا الأمل. وهذا ما أدى إلى حالة الجمود في الكونجرس وما تلاها من إغلاق جزئي للحكومة الأميركية استمر 35 يوماً.
والواقع أن ترامب لا يستطيع تحمل الكلفة السياسية والاقتصادية لإغلاق حكومي آخر. ذلك أن أغلبية الأميركيين حمّلت ترامب مسؤولية الإغلاق الأخير الذي يعتقد كثير من الخبراء الآن أنه ألحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد وببعض الوكالات الأميركية، مثل إدارة الطيران الفيدرالية، ومحاكم الاستئناف الأميركية، وإدارة المنتزهات الوطنية. كما تسبب في معاناة كبيرة لمئات الآلاف من المتعاقدين وأصحاب الشركات الصغيرة الذين يعتمدون على الوكالات الفيدرالية وموظفيها في كسب قوتهم والذين لم يتلقوا، خلافاً للموظفين الفيدراليين، أي رواتب بأثر رجعي بعد إعادة فتح الحكومة.
ترامب يحاجج بأن لديه الصلاحيةَ لإعلان حالة طوارئ استناداً إلى «قانون حالات الطوارئ الوطنية» لعام 1976 الذي يمنح الرئيس حرية كبيرة للتصرف في حالات أزمات حقيقية، مثل هجوم إرهابي على الولايات المتحدة أو كارثة طبيعية كبيرة. والحقيقة أنه منذ 1976 استخدم كل الرؤساء السبعة هذه الصلاحية في مناسبات متعددة؛ لكن المشكلة بخصوص الخطوة التي أقدم عليها ترامب هي أن أغلبية الأميركيين لا يصدقون أن ثمة حالة طوارئ حقيقية على الحدود الأميركية المكسيكية. صحيح أن ثمة مشاكل حقيقية يجب أن تعالَج بخصوص الهجرة غير القانونية، وتهريب المخدرات، وتهريب البشر. غير أن معظم المراقبين الموضوعيين يرون أن ترامب إنما يبالغ في تصوير العنف والجريمة اللذين يرتكبهما المهاجرون غير القانونيين وأن إشاراته المتكررة إلى قوافل المهاجرين التي تجتاح الحدود الأميركية غير المحمية جيداً، مبالَغ فيها.
لكن ترامب يعلم أن هذا الموضوع يمثل «ورقة رابحة» أمام قاعدة مناصريه، وسيحرص على أن يجعل من الهجرة غير القانونية موضوعاً رئيسياً لحملة إعادة انتخابه في عام 2020. أما ما إن كان هذا سيكون موضوعاً انتخابياً مثيراً للانقسام، فذاك سيتوقف على أحداث مهمة أخرى يمكن أن تحدث خلال عشرين شهراً المقبلة، مثل ركود اقتصادي، أو حرب في الشرق الأوسط، أو ازدياد الإرهاب، أو زلازل أو أوبئة. والحاصل أن ترامب لم يواجه أزمة حقيقية حتى الآن في العامين اللذين قضاهما في السلطة؛ ولا أحد يعرف كيف سيحكم البلاد حين تحدث إحداها.