قبل بضع سنوات، طرح مديرو مؤسسة «كوليدج بورد»، وهم الأشخاص المسؤولون عن إدارة اختبارات الـ«سات» الخاصة بامتحانات القبول في الجامعة، سؤالاً محورياً على أنفسهم: من بين كل المهارات والمعارف التي نختبر فيها الشباب، والتي نعلم أنها مرتبطة بالنجاح في الجامعة وفي الحياة، ما هي أكثرها أهمية؟ فكان جوابهم: «شفرتان»: علم الكمبيوتر والدستور الأميركي.
ومنذ ذلك الحين تبنوا اختبارات الـ«سات» وبرنامج «أدفانست بليسمنت» التابع لـ«كوليدج بورد» من أجل تشجيع وقياس مدى إلمام الطلبة بالاثنين. ولما كان الشخصان اللذان قادا هذه الخطوة، ديفيد كولمان (رئيس منظمة «كوليدج بورد») وستيفاني سانفورد (مديرة السياسة العالمية فيها)، شخصان لطالما استمتعتُ بالحوار وتبادل الأفكار معهما، ونظراً لأني أعتقد أن كثيراً من الطلبة والآباء والمشغّلين سيكونون مهتمين بجوابهما، طلبتُ منهما أن يتكرما بأن يشرحا لي خلاصة عملهما، أي «لماذا هاتان الشفرتان؟».
جوابهما القصير كان هو أنك إذا كنت تريد أن تكون مواطناً قوياً في ديمقراطيتنا، وقادراً ليس فقط على الإبحار عبر المجتمع ومؤسساته، ولكن أيضاً على تحسينهما والتأثير فيهما، وليس التأثر بهما فقط، فعليك أن تعرف كيف تشتغل أجهزة الكمبيوتر وكيف تؤثر فيها. وبالنظر إلى أن الحوسبة والإنترنت والبيانات الكبيرة والذكاء الاصطناعي.. أصبحت الآن اللبنات الأساسية لكل القطاعات تقريباً، فإن أي شاب يستطيع إجادة المبادئ وتقنيات التشفير الأساسية التي تحرّك الحواسيب وأجهزة أخرى، «سيكون مستعداً أكثر لكل الوظائف تقريباً»، كما يقول كولمان وسانفورد، مضيفين: «وفي الوقت نفسه، يشكّل الدستور الشفرة الأساسية التي تمنح أميركا شكلها وتحدد حرياتنا الأساسية. إنه الدليل الأساسي لحياتنا كمواطنين منتجين».
وبالتالي، فبدلاً من صياغة اختبارات الـ«سات» ودروس «أدفانست بلايسمنت» على أساس أشياء يحفظها المرء عن ظهر قلب ثم ينساها، يسعى كولمان وسانفورد حالياً إلى إصلاح تلك الاختبارات والترويج لـ«الشفرتين».
في 2016، قامت منظمة «كوليدج بورد» بتغيير كامل لمقاربتها لدروس واختبارات علم الكمبيوتر ضمن برنامج «أدفانست بلايسمنت». ففي درس علم الكمبيوتر الأصلي، الذي كان يركز كثيراً على البرمجة في «جافا»، كان 80? من الطلبة من الرجال. كما كانت أغلبية الطلبة من البيض والآسيويين. وكان ذلك يقول للنساء والأقليات: «كيف تريدون تعلم القواعد المتقدمة للغةٍ أنتم لستم مهتمين بها؟».
لكن تبين أن ذلك لم يكن مرحباً به جداً. فقررا «تغيير الدعوة» إلى مادة مبادئ علم الكمبيوتر الجديدة من خلال السؤال: ما الذي تحب أن تفعله في الحياة؟ في الموسيقى؟ في الآداب؟ في العلوم؟ في التجارة؟ ممتاز! ما عليك إلا أن تأتي وتنشئ تطبيقاً من أجل تطوير ذلك الاهتمام وتعلّم مبادئ علم الكمبيوتر، وليس التشفير فقط، كما يقول كولمان. «تعلم كيف تكون مؤثّراً في بيئتك، وليس ضحية له فقط».
الدرس الجديد بدأ في 2016. وكان التسجيل الأكبر من نوعه بالنسبة لمادة جديدة في تاريخ برنامج «أدفانست بلايسمنت»، بما يتجاوز 44 ألف طالب على صعيد الولايات المتحدة.
كما تم تغيير مادة الحكومة والسياسة الأميركيتين في برنامج «أدفانست بلايسمنت» أيضاً. ففي وقت لدينا رئيس توحي تصرفاته بأنه لم يقرأ الدستور الأميركي، ولدينا واقع وإحساس جديد بأن الجامعات لم تعد أماكن للتبادل الحر للأفكار والتناظر والنقاش حول المواضيع المهمة، خلص كولمان وسانفورد إلى أنه يتوجب أن تكون لدى أي طالب يدخل الجامعة دراية بـ«التعديل الأول» من الدستور، الذي ينص على خمس حريات، وليس حرية التعبير فقط.
وكان ينبغي أن يبدأ الأمر في المدرسة الثانوية، كما تقول ستانفورد، التي تقود مبادرة «الشفرتين»، مضيفة: «فكر في إلى أي مدى أنت مستعد للمشاركة في الجامعة والمجتمع بفهمٍ للحريات الخمس التي يكفلها التعديل الأول من الدستور؛ حريات التعبير، والتجمع، وتقديم عرائض، والصحافة، والتدين. فالتعديل الأول يرسي أسس مجتمعِ حوارٍ وأفكارٍ ناضج، قائم على الحق في التكلم بكل حرية ومن دون خوف، وحين تقتضي الحاجة ذلك، الحق في الاحتجاج، ولكن على ألا تقاطع الآخرين أو تمنعهم من التكلم». وهذا يصبح مهماً بشكل خاص، تتابع ستانفورد، «عندما يفكَّر في التكنولوجيا والديمقراطية على أنهما متعارضتان في حين أن كلتيهما أساسيتان» وينبغي أن تشتغلا جنباً إلى جنب.
وما على المرء هنا إلا أن يستحضر كيف أُسيء استخدام «فيسبوك» في انتخابات 2016 الرئاسية في أميركا، للوقوف على كيف تم تحويل اثنتين من أعظم نقاط قوة أميركا، الابتكار وحرية التعبير، إلى سلاح. ولهذا، فإذا لم يكن ثمة انسجام جيد بينهما، فلدينا مشكلة!
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
https://www.nytimes.com/2019/02/12/opinion/college-board-sat-ap.html