في البحرية الأميركية، نقول إن كل بحار هو «رجل مطافئ». وذلك لأنه عندما يندلع حريق في إحدى السفن بعرض البحر، يكون هناك تهديد حقيقي في ضوء مزيج قابل للاشتعال من الوقود والذخيرة والدوائر الكهربائية والمؤن المخزّنة، والطاقم بأسره مدرب على السيطرة عليه وإخماده. ولا يمكنك الابتعاد إلى مكان آمن وترك الحريق حتى تأكل النيران نفسها. ولعلها الطريقة الملائمة للنظر إلى تنظيم «داعش» في الوقت الراهن، ففي غضون السنوات الماضية، وفي ظل إدارتين، دمرت الولايات المتحدة وقوات التحالف 95? على الأقل من عتاد «داعش». لكن من دون مراقبة عودته للظهور، تبقى هناك فرصة لأن يجدد التنظيم صفوفه. وخير من يعلم ذلك هو رئيس القيادة المركزية الأميركية الجنرال «جو فوتيل»، وهو قائد قوات خاصة قاد المعركة منذ 2016. وقد أوضح الجنرال للكونجرس مؤخراً؛ أنه إذا انشغلت القوى الفاعلة الرئيسة ووكلاؤها على الأرض بالمنافسة على النفوذ في سوريا، فإن ذلك قد يخلق فراغاً لعمل فلول تنظيم «داعش» والجماعات الإرهابية الأخرى وإعادة تنظيم صفوفهم. وكرّر بذلك وجهة نظر وزير الدفاع الأميركي السابق «جيمس ماتيس»، الذي استقال إثر إعلان الرئيس ترامب سحب القوات الأميركية بشكل كامل من سوريا.
ولا تشكل الأراضي وحدها مصدر القلق، فـ«داعش» لا يزال يتمتع بقدرات في الفضاء الرقمي. وقد استغل وسائل التواصل الاجتماعي بدهاء لجذب مجندين جدد، وجمع الأموال وإنشاء شبكة قيادة وتحكم. ويواصل شنّ هجمات إرهابية في أنحاء العالم، ومن بينها تفجير أدى إلى سقوط ضحايا الشهر الماضي في كاتدرائية بجنوب الفلبين.
وإذا ما أخذنا في الحسبان أن التنظيم الإرهابي خرج من رحم انهيار حركة التمرد في العراق، والتسرّع في سحب القوات الأميركية كافة في عام 2011 من دون ترك قوة طارئة لضمان مرحلة انتقالية مستقرة، يمكننا أن نستنبط الدرس المستفاد من العلاقة بين الانسحاب المتسرع وتنظيم «داعش» الذي لا يزال خطيراً وخبيثاً في سوريا حتى يومنا هذا. فلماذا نكرر الخطأ ذاته؟
لكن كيف يمكننا منع «داعش» من العودة وترتيب صفوفه من جديد؟ أولاً: لابد من إبقاء ما يتراوح بين 7000 و10000 جندي أميركي بين العراق وسوريا من أجل العمليات الخاصة وجمع المعلومات ومساندة الحلفاء في المنطقة. وعلى واشنطن أن تُنعش تحالفها العالمي ضد «داعش»، بعد أن بدأ يفقد زخمه باستقالة المبعوث الخاص الأميركي «بريت ماكجورك» الذي رحل في أعقاب رحيل «ماتيس». وعلى البنتاجون أن يؤكد مجدداً التعاون المتكامل مع وكالات الاستخبارات ووزارة الخارجية وإدارة مكافحة المخدرات، إذ أن لكل من هذه الوكالات أدوات مختلفة في المعركة. وفي حين تبذل القيادة الإلكترونية الأميركية ما بوسعها لحماية الشبكات، فعليها أن تُقدم على الهجوم.
وعلى الجيش الأميركي أن يُفكّر بصورة أكثر اتساقاً بشأن التعاون بين القطاعين العام والخاص. ويشمل ذلك التعاونَ مع شركاء مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر ومنظمات التعليم غير الحكومية، مثلما فعل عند تقديم المساعدات الإنسانية و«الدبلوماسية الطبية» في أميركا اللاتينية والدول الكاريبية، في الفترة التي كنت أتولى فيها القيادة الجنوبية الأميركية. وإلى ذلك، لابد من حمل الشركات التكنولوجية وشبكات التواصل الاجتماعي الكبرى التي يستغلها التنظيم الإرهابي على التعاون. فحتى جوجل، التي امتنعت في بعض الأحيان عن التعاون مع وزارة الدفاع، حققت نتائج مؤثرة في مواجهة التطرف العنيف من خلال مشاريع مثل «جيجسو» الذي كان يُعرف في السابق بـ«أفكار جوجل». ولا شك في أن شركات التكنولوجيا العملاقة، إذا ما تعاونت، يمكنها تحقيق نتائج أكبر بكثير.
وأخيراً: سيكون من الحكمة ألا تبالغ الولايات المتحدة ودول التحالف في إعلان الانتصار على «داعش». وبرغم أنه يحق للجميع الفخر بالتقدم الذي تم إحرازه ضد هذا الخصم العنيد والحاقد، فإن المهمة لم تنته بعد!
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»