في 11 فبراير 1979، استولى رجل دين شيعي عجوز، كان قد عاد من المنفى قبل عشرة أيام فقط، على السلطة في طهران. تأسيسُ الخميني لجمهورية إيران الإسلامية أشّر لبداية عهد جديد من الاضطراب والفوضى والإرهاب في الشرق الأوسط ما زال مستمراً إلى اليوم. والآن، وبينما تدخل «الثورة الإيرانية» مرحلة منتصف العمر، بعد أن صمدت في وجه عدد كبير من التحديات، تجد نفسها على أرضية هي الأكثر هشاشة حتى الآن.
الجمهورية التي تأسست على هذه الثورة ليست على وشك الانهيار، ولا هي وسط عملية إعادة ولادة. غير أن النظام، وعلى غرار كثير من الأنظمة من قبله، يمر بأزمة هوية من صنع يديه. ذلك أنه كلما ابتعد عن لحظة 1979 الثورية، كلما بدا أشبه برجل مسن يكرِّر القصص نفسَها على أسماع أبناء كبروا ونفد صبرهم ولم يعودوا يتحملون ذلك.
الشعب الإيراني أدرك المعنى الحقيقي لنظام حكم ديني قبل وقت طويل، غير أنه ما زال من غير الواضح متى سينقضي حكم الملالي. وفي الأثناء، يريد الإيرانيون مستقبلاً أكثر حرية وأكثر علمانية مندمجاً في النظام العالمي، خاصة الاقتصاد العالمي، ولكن شركاء النظام الداخليين – شبكة من المنتفعين الصغار بالخصوص – يحولون من دون ذلك. هذه الأربعون عاماً لم تكن سهلة على الإيرانيين. والظروف الحالية – مثل العقوبات الأميركية الشديدة، ومغامرات النظام الإيراني غير محسوبة العواقب في المنطقة، وعناد زعماء البلاد وتعنتهم – تشير إلى أن السنوات القليلة المقبلة يمكن أن تكون أكثر صعوبة. وخلال السنين الماضية، كان أكثر رعايا النظام ولاء يتلقون معاملة تفضيلية، بينما كان معارضو النظام يُسحَقون عبر الإعدام أو السجن أو المنفى. هذا الأسلوب عديم الرحمة يتعارض مع الميولات الطبيعية لواحد من أكثر مجتمعات الشرق الأوسط تعليماً وتطوراً، ولكن النظام ظل قائماً ومستمراً بسبب تفاهم غير معلَن: ذلك أن النظام دعم مستوى معيشة يتميز بمجانية الخدمات، ومصادر الغذاء الأساسية، والرعاية الطبية، والتعليم. فاستطاع الناس تحسين حيواتهم حيثما وكيفما استطاعوا. وعندما كانت تسنح الفرصة، كان الكثيرون منهم يغادرون البلاد من أجل العيش في الخارج.
ومع مرور السنين، أدركت السلطات الإيرانية أنها تستطيع الاستفادة من عادات كانت محظورة رسمياً والتربح منها. فأطباق التقاط البث التلفزيوني، والآن الوصول إلى الإنترنت... كلها أشياء محظورة رسمياً أو محدودة الاستخدام، ولكن السوق السوداء في كل واحد منها يخضع لسيطرة أشخاص من النظام. هذا النفاق نتج عنه مجتمع طيعٌ مطيعٌ علانيةً ولكن مُتحَدٍّ وراء الأبواب المغلقة. غير أنه طالما واصلت أموال النفط التدفق، سيكون من السهل السيطرة على الوضع. اليوم، تواجه إيران أوقاتاً صعبة من جديد. ستقول لك إدارة ترامب إن العقوبات هي التي دفعت النظام مرة أخرى إلى حافة الهاوية، ولكن تلك ليست القصة الكاملة. والحقيقة هي أن المجتمع الإيراني يواجه حالياً ضغوطاً من كل الاتجاهات، داخلياً وخارجياً. ولكن ما لن يخبرك إياه المسؤولون الإيرانيون هو التفاوت المتزايد في الثروة، وفساد مجتمع عُوِّد فيه الجميع على التفكير في نفسه وحسب. هذه الحقائق تكفي لجعل الإيرانيين واحداً من أكثر الشعوب المتخلى عنها على وجه البسيطة. وعلاوة على ذلك، فإن الخطابات الصادرة من واشنطن قد تؤدي إلى مفاقمة التحديات التي يواجهها الإيرانيون العاديون. وفي الأثناء، يظل النظام المفلس أخلاقياً، وشركاؤه الصامتون داخل المجتمع الإيراني هم المستفيدون. والحال أن النظام الحالي مسؤول بشكل مباشر عن محنة النساء والأقليات العرقية والدينية في البلاد. وبوسعنا أيضاً تحميل جزء كبير من المسؤولية عن تدهور البيئة للنظام وجشع أعضائه. وفي الأثناء، يقوم خصوم إيران الأكبر بتمويل وتشكيل ملامح الحوار حول إيران في واشنطن. وينبغي علينا أن نسعى لرؤية أصوات إيرانية حقيقية ومستقلة وشفافة تشارك في النقاش حول مستقبل السياسة الأميركية تجاه طهران. ذلك أنه في الوقت الراهن، لا يوجد أي من ذلك.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»