ربما يبدو الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، بالنسبة للعديد من المراقبين، في طريقه للخروج من الحكم. فهو يواجه احتجاجات متزايدة في الداخل وموجة متزايدة من الضغوط من الخارج، وكلهم يطالبونه بأن يترك منصبه. وقد اعترفت عشرات الدول الأجنبية بزعيم المعارضة «خوان جوايدو» رئيسا مؤقتا لفنزويلا، وتتحرك الولايات المتحدة لإبعاد مادورو عن الأموال الناجمة عن صناعة النفط في فنزويلا. لكن الإطاحة بزعيم، حتى لو كان منعزلا ولا يحظى بشعبية على نطاق واسع، لا يكون دائما عملية سريعة أو حتمية. أولا، لا يكون الضغط الدولي دائما سببا لتغيير قواعد اللعبة، حتى عندما تتخذ الدول خطوات قوية على نحو غير عادي مثل الاعتراف بشخصية من المعارضة كزعيم شرعي للبلاد. «تحاول معظم الحكومات تجنب القيام بهذا النوع من الأمور»، بحسب ما قال «ديفيد بوسكو»، أستاذ مساعد بكلية الدراسات الدولية والعالمية بجامعة إنديانا، في مقابلة معه الشهر الماضي. وأضاف أن الاعتراف بالمنافسين يمكن أن يمثل مشاكل دبلوماسية عملية ويخاطر بتقويض الحلفاء الذين لديهم قضايا محلية خاصة بهم. وعلاوة على ذلك، فقد قادت الولايات المتحدة التغيير لعزل حكومة مادورو اقتصادياً، حيث قامت مؤخراً بإجراءات لمنع الإيرادات الأميركية من الوصول إلى شركة نفط فنزويلية مملوكة للدولة – وهي واحدة من آخر خطوط الحياة الاقتصادية المتبقية في البلاد. لكن حتى العزلة الاقتصادية الأكثر صرامة يمكن التحايل عليها. لقد تمكنت كوريا الشمالية من البقاء على قيد الحياة لسنوات تحت عقوبات اقتصادية صارمة، مع وجود بعض التلميحات إلى وجود اضطرابات داخلية خطيرة أو تغيير في القيادة. وجدير بالذكر أن اثنين من الدول التي تدعم كوريا الشمالية اقتصاديا – وهما الصين وروسيا – قالتا إنهما تقفان إلى جانب مادورو، على الرغم من الإدانة الدولية.
وحتى لو نجحت حملات الضغط، قد يضطر مادورو إلى التفكير فيما سيحدث لاحقا إذا ترك منصبه. وقبل وقت ليس ببعيد، كان من الممكن أن ينتهي الحال بزعيم مخلوع لأن يعيش في سلام نسبي بعد التخلي عن السلطة. وعلى سبيل المثال، فقد أمضى «ماركوس بيريز خيمينيز»، الرئيس الفنزويلي الذي أطيح به بعد انقلاب عسكري في عام 1958، السنوات الأخيرة من حياته في راحة في إسبانيا – وهو مجرد واحد من عدد من الحكام الذين عاشوا حياة جميلة في أوروبا في السنوات الأخيرة من عمرهم. لقد انتهت هذه الحقبة، بالنسبة للجزء الأكبر. فقد ساعد تهديد الملاحقة من قبل الهيئات القانونية مثل المحكمة الجنائية الدولية إلى الحد بشكل كبير من الخيارات بالنسبة للرجل القوي المخلوع. فالرئيس الأوكراني «فيكتور يانوكوفيتش»، الذي استقال من منصبه كرئيس للبلاد في عام 2014 بعد احتجاجات استمرت لأسابيع، فهو يعيش الآن في المنفى في مكان سري في روسيا، حيث أنه سيواجه اتهامات بالخيانة حال عودته إلى البلاد.
بدون خطة هروب، قد يميل العديد من الرجال الأقوياء إلى البقاء في السلطة. في عام 2017، تم إقناع رئيس جامبيا الثاني «يحيى جامي» أخيرا بأن يغادر منصبه بعد 22 عاما من الحكم، عندما عُرض عليه اللجوء في غينيا الاستوائية. وأخذ معه ما يقدر بـ 50 مليون دولار من أموال الحكومة وأسطول من السيارات الفاخرة، لكنه يعيش في ظل الحكومة المضيفة غير المستقرة كليا.
وقامت الجمعية الوطنية الفنزويلية التي تقودها المعارضة، ويترأسها جوايدو، بالفعل بتمرير قانون من شأنه أن يمنح عفوا لأي جنود ربما يساعدون على طرد مادورو من السلطة. في مقابلة تليفزيونية في الشهر الماضي، قال جوايدو إنه سيفعل المثل بالنسبة لمادورو نفسه إذا وافق على التنحي بسلام، وقد طرح مسؤولون أميركيون «حل الخروج» كواحد من الخطط (حيث من الممكن أن تكون كوبا أحد المقاصد الممكنة).

بيد أن النخبة الحاكمة في فنزويلا تذهب إلى أبعد من الرئيس. فأي خطة خروج بالنسبة لمادورو من شأنها أن تتعامل ليس فقط مع سؤال: ما الذي سيحدث له؟ ولكن أيضا من الذي سيسمح له بالذهاب معه؟ وإذا تم إبعاد مادورو، فإن التركيز عليه وحده قد لا يقدم سوى حل سطحي لمشكلة أعمق بكثير.
*كاتب مقيم في لندن متخصص في الشؤون الخارجية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»