الجدل الأميركي حول الرعاية الصحية يدخل مرحلة جديدة. فالليبراليون متحمسون لبرنامج «ميديكير للجميع». و«الجمهوريون» في الوقت نفسه تخلوا إلى حد كبير عن جهود إدخال إصلاحات كبيرة على الرعاية الصحية. والمرحلة الجديدة من الجدل مليئة بالفرص ل«الجمهوريين» والمخاطر لـ«المحافظين». ويمكننا القول إن الجدل يرتد إلى نموذج أقدم. فقبل أربعة عقود تقريباً ألقى الليبراليون الضوء على مثالب نظام الرعاية الصحية الذي كان قائماً حينذاك وخاصة الكلفة المرتفعة وعدم المساواة في إمكانية الحصول على الرعاية واقترحوا تعزيز تدخل الحكومة كحل للمشكلة. لكن «المحافظين» حذروا من مخاطر تضخم حجم الحكومة، وذكروا الناخبين بمزايا الوضع القائم.
ولطالما كانت الرعاية الصحية قضية ليست محور اهتمام أساسي وعدم الرضا عن نظامها كان مصدراً متواضعا للقوة السياسية لليبراليين. وحين أصبحت الرعاية الصحية قضية مهيمنة، عزز خوف الجمهور من تعطل حصولهم على الرعاية رصيد المحافظين. ومن 2009 إلى عام 2016 استطاع «الجمهوريون» أن يستغلوا لصالحهم الاستياء الشعبي من التعديلات التي هدد نظام «أوباماكير» أولاً بالقيام بها ثم قام بها بالفعل. وكان هناك استثناءان صغيران لهذا النموذج، الأول من 1995 إلى 1996 والثاني من 2017 إلى 2018، حين قدم «الجمهوريون» تعديلاتهم الواسعة للسياسة الصحية. فقد حاولوا بقيادة نيوت جينجريتش قبل عشرين عاما إصلاح برنامجي «ميديكير» و«ميديكآيد». وعلى مدار العامين الماضيين، حاولوا طرح بديل لبرنامج أوباماكير وإصلاح برنامج ميديكآيد. «الجمهوريون» يسيطرون حاليا على الكونجرس والبيت الأبيض ويتحدثون عن إعادة صياغة نظام الرعاية الصحية منذ سنوات ونجحوا في إحداث تعديلات مهمة وإن كانت أقل طموحا بكثير مما سعوا إليه. فقد ألغوا، على سبيل المثال، الغرامات على الناس الذين بلا تأمين صحي التي كانت جزءا أساسيا من برنامج أوباماكير. وبالإضافة إلى هذا، تضفي إدارة ترامب طابعا ليبراليا على قواعد خطط التأمين قصيرة الأجل التي ليس من الضروري أن تلتزم باللوائح التي يفرضها برنامج أوباماكير على معظم الخطط الأخرى. ولذا لدى «الجمهوريين» بعض الملكية السياسية، وهذه الملكية تتزايد، في نظام الرعاية الصحية. وكلما تصدوا لمقترحات الجناح اليساري لتغيير النظام كلما عظمت ملكيتهم. وبالنسبة للسياسيين «الجمهوريين»، ربما يكون الدفاع عن الأمر الواقع ولو كان معيباً مفضلا لديهم على الأرجح من محاولة فرض تعديلات تؤدي إلى عرقلة تقديم الرعاية. لكن إذا تبنوا هذا الموقف، فهذا يعني أن لا حلول للمخاوف الشعبية من الرعاية الصحية إلا حلول جناح «اليسار».
*زميل زائر بـ«معهد أميركان انتربرايز»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»