احتفلت الهند هذا الأسبوع بعيدها الوطني، الذي يصادف هذه السنة الذكرى السبعين لتبني الدستور وإعلان هذا البلد الواقع جنوب القارة الآسيوية جمهورية. وكل سنة يُحتفى بهذه الذكرى التي تشكّل مناسبة لإبراز قوة الهند العسكرية وتنوعها الثقافي. كما أنها مناسبة أيضاً لإظهار جاهزية الهند الدفاعية وسط توتر في العلاقات بين جيرانها وخاصة باكستان والصين.
وتعمل الهند منذ خمس سنوات على تحديث قواتها المسلحة، من تعزيز قدراتها البحرية إلى تحسين مراقبتها لحدودها البحرية والمحيط الهندي، ولاسيما عقب الحشد العسكري البحري للصين. هذا التحديث العسكري يشمل أيضا تعزيز قدرات قواتها المسلحة وقوتها الجوية، ليس فقط من أجل تحسين مراقبتها لأراضيها وأجوائها، ولكن أيضاً حتى تكون متأهبة لأي حالة طوارئ محتملة في جنوب وجنوب شرق آسيا. وفي إطار هذه الجهود الرامية لتحديث قواتها المسلحة، تحاول الهند أيضاً تنويع مصادر مشترياتها من الأسلحة لتشمل بلدانا أخرى فضلا عن موردها التقليدي روسيا وشراءها من الولايات المتحدة وإسرائيل.
الولايات المتحدة، التي تُعد من بين أوائل بائعي الأسلحة لنيودلهي، وافقت على إنتاج عدد من الأسلحة والمعدات العسكرية بشكل مشترك مع الهند. غير أن هذه الأخيرة ما زالت تقتني أسلحة من روسيا أيضاً. والعام الماضي، مثلًا، وقعت الهند اتفاقية للحصول على خمسة أنظمة دفاع صاروخي من طراز «إس 400 ترايمف» من روسيا رغم أن واشنطن حذّرت الهند من أن صفقة النظام الصاروخي تقع ضمن «مجال اهتمام» قانون «كاتسا»، وهو قانون فيدرالي أميركي فرض عقوبات على إيران وكوريا الشمالية وروسيا.
وفي مثال آخر للحاجة إلى تعزيز جاهزية الهند الدفاعية، تواترت تقارير تفيد بأن الهند أوشكت على الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة على مخطط لتطوير البنية التحتية العسكرية، في منطقة المحيط الهندي، بقيمة 56?50 مليار روبية في جزر أندمان ونيكوبار التابعة لها. ووفق تقارير إعلامية هندية، فإن المخطط يقضي بنشر جنود إضافيين وسفن حربية وطائرات وطائرات بدون طيار ومنصات صواريخ، ضمن ما ينظر إليه على أنه محاولة لتحدي التمدد الصيني في المنطقة. غير أنه إذا كانت الهند واحدة من أكبر مستوردي المعدات الدفاعية في العالم، فإنها ما زالت تسعى لزيادة الإنتاج المحلي للأسلحة والمعدات.
ومنذ وصوله إلى السلطة، ما فتئ رئيس الوزراء «ناريندرا مودي» يتحدث عن تحويل الهند، التي تُعد حالياً أكبر مشتر للأسلحة في العالم، إلى بلد مصنع للمعدات الدفاعية من خلال إنتاج مشترك للمعدات العسكرية وزيادة نقل التكنولوجيا من بلدان أخرى إلى الهند. وخلال السنة الماضي، مثلا، زادت الحكومة الاستثمارات الخارجية المباشرة في مجال الدفاع من 26 في المئة إلى 49 في المئة، ووافقت على صفقات لشراء الأسلحة بقيمة 20 مليار دولار ضمن جهودها الرامية لتحديث الجيش الهندي، الذي ما زال يحتاج لكل شيء من الأسلحة إلى طائرات هيليكوبتر. وكانت حكومة مودي قد وقعت، في سبتمبر 2015، اتفاقيات مع «بوينغ» لشراء 22 طائرة هيليكوبتر هجومية من طراز «أباتشي إيه إتش 64» و15 طائرة هيلكوبتر تكتيكية للنقل من طراز «تشينوك سي إتش 47» في إطار صفقة بقيمة ثلاثة مليارات دولار.
وقد حققت الهند قفزات عملاقة في تكنولوجيا الفضاء. برنامجها الفضائي عمره عدة عقود، وكان يركز بشكل أساسي على الاستخدامات السلمية التي تشمل عدداً من التطبيقات العلمية والتكنولوجية مثل التطبيب عن بعد، والتعليم عن بعد، والتحذير من الكوارث، وعمليات البحث والإنقاذ، والاستشعار عن بعد، والمناخ. ولئن كانت الاستخدامات العسكرية لم تصبح محل اهتمام برنامج الفضاء الهندي إلا قبل نحو عقد تقريباً، فإن هذه الصحوة الهندية حدثت عندما أجرت الصين أول اختبار مضاد للأقمار الاصطناعية في 2007. إذ أبرز ذاك الاختبار التحديات التي تواجه الهند في منطقتها.
وبالنسبة للهند، فإن أنشطة بكين في السنوات الأخيرة كانت تحركها المنافسة مع الولايات المتحدة، ولهذا، فإن القدرات التي تطوّرها حاليا تُعد أكثر تقدماً بكثير من تلك الضرورية لردع الهند. غير أن الهند تدرك جيداً التقدم الذي تحرزه الصين. فعقب الاختبار الذي أجرته الصين، شرعت الهيئات العلمية والتقنية وقادة القوة الجوية الهندية، إضافة إلى قطاعات من القيادة السياسية، في مناقشة ما إن كان ينبغي للهند أيضاً تطوير مثل هذه القدرات. ولدى الهند حالياً نظام دفاع صاروخي قيد التطوير، وإمكانية حصولها على قدرة مضادة للأقمار الاصطناعية مرتبطة بقدراتها في مجال الدفاع الصاروخي. ولهذا الغرض، تقوم «منظمة البحث والتطوير الدفاعي الهندية» بتطوير قدرات في مجال الدفاع الصاروخي بشكل مستقل، ولكنها تسعى بشكل متزايد لإقامة شراكات مع الولايات المتحدة وبلدان أخرى.
بيد أن جهود الهند بخصوص إنتاج معدات عسكرية محلية تتقدم ببطء، وإنْ كانت قد أدخلت في الخدمة أولَ طائرتين من أصل 100 طائرة حربية خفيفة مصنوعة داخلياً تحمل اسم «تيجاس»، ويتوقع أن تدخل الخدمة بشكل كامل خلال الـ13 سنة المقبلة. وطائرات «تيجاس» هذه عبارة عن مقاتلات ذات محرك واحد سيتم استخدامها لحراسة المناطق الحدودية بحلول العام المقبل. ولهذا، فإذا كانت الهند تحاول إنتاج أسلحتها الخفيفة والثقيلة محلياً، فإنها ستحتاج لبعض الوقت قبل أن تستطيع تقليص اعتمادها على المعدات العسكرية الخارجية.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي