من هو ضيف الإمارات الكبير، البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، البابا الروماني الكاثوليكي، والذي يحل غداً زائراً للمرة الأولى في تاريخ الخليج العربي على أرض الإمارات بلد التسامح والتعددية؟ والسؤال: من أين يستمد الرجل سلطته الروحية ونفوذه السياسي؟ حسب المفهوم المسيحي الكاثوليكي، فإن البابا هو الرئيس الروحي الأعلى للكنيسة الكاثوليكية، ويتمتع بعدة صفات، فهو خليفة القديس بطرس، ونائب المسيح، على الأرض، وأسقف روما، وبطريرك الغرب، ورأس الكنيسة المنظور، ويُلقب كذلك بالحبر الأعظم والأب الأقدس، وصاحب القداسة، ويحمل أيضاً لقب «سيد أو ملك الفاتيكان».
ترجع كلمة بابا إلى الأصل اليوناني، وتعني الأب، ولم يوصف رئيس الكنيسة الكاثوليكية بهذا الوصف إلا بداية من العام 385م، مع عهد البابا «سيريقيوس» والذي استمرت حبريته أي رئاسته الروحية لكنيسة الكاثوليكية من (384 إلى 399م)، والذي أشار إلى نفسه باسم «البابا».
حتى يومنا هذا يبلغ عدد البابوات الرومان الكاثوليك نحو 265 بابا، أولهم القديس بطرس كبير الحواريين، وهامة الرسل، والذي استشهد على جبال روما، وتلالها السبع، وآخرهم هو البابا الحالي «فرنسيس»، والقصر الذي يعيش فيه البابا، ويستقبل كبار زواره من رؤساء العالم، بدأ تشييده البابا «سيما كوس» (498 – 514) في سنة 505م، وتولى خلفاؤه من بعد توسيعه على مر السنين.
منذ أواخر القرن التاسع عشر تقريباً فقدت البابوية أملاكها الشاسعة وسلطتها المدنية، وإن بقيت لها بلا شك السلطة الروحية، ما دعا الكثيرين لأن يتساءلوا هل البابا بالفعل شخصية اعتبارية مهمة جداً على النحو الذي نراه ويراه العالم، رغم فقدانه لتلك السلطات الزمنية السياسية في إيطاليا وعموم أوربا؟
أحد أفضل الذين تصدوا لهذا السؤال كان «جورج ويجل»، عالم اللاهوت الكاثوليكي الأميركي، وكاتب سير البابوات، وعنده أن نفوذ البابوية الحديثة وسحرها من المفاجآت التاريخية، ذلك أنه عندما انتخب البابا ليون الثالث عشر عام 1878 وكان أول بابا منذ 1100 سنة لا يسيطر على أراضي واسعة ذات سيادة معترف بها دولياً، ظن الكثيرون أن البابوية باتت مفارقة تاريخية بلا حول ولا قوة، غير أن «ليون» أرسى قواعد البابوية الجديدة، باعتبارها مركزاً يتمتع بسلطة إقناع معنوي.
يتذكر المرء في هذا السياق ما ذكره المؤرخ الأميركي الكبير «وول ديورانت، صاحب موسوعة قصة الحضارة من أن المؤسسة الرومانية الكاثوليكية هي أهم مؤسسة بشرية عرفها التاريخ لتراتبيتها، وتسليمها الذي لم ينقطع رغم أوقات الضعف التي كانت تليها دوماً فترات ازدهار روحي وأدبي، أخلاقي وإنساني.
درجت العادة أن يكون البابا إيطالياً (حوالي 200 كانوا إيطاليين)، غير أن اختيار كاردينال بولندا"كارول فوتيلا"«(يوحنا بولس الثاني) عام 1978 كسر هذه القاعدة بعد نحو خمسة قرون، ليضحى أول بابا من دولة أوروبية شرقية، ثم جاء من بعده البابا الألماني جوزيف راتزينجر (بندكتوس السادس عشر)، وها هو خورخي ماريو بيرجوليو يحل لاحقاً في السدة البطرسية.
في السابع عشر من ديسمبر من عام 1936 كان المولد في العاصمة الأرجنتينية "بوينس آيرس" لعائلة مكونة من خمسة أطفال، هو الأكبر فيها، الأب "مارو خوسيه بيرجوليو" المهاجر الإيطالي الأصل، ووالدته «ريجينا سيفوري ماريا» الأرجنتينية الجنسية، الإيطالية الأصل كذلك، وكلاهما- الأب والأم- قد هربا من إيطاليا في زمن الحكم الفاشي، الذي ساد إيطاليا فترة من الزمن. جذور البابا كابن لعائلة مهاجرة، سيقدر لها لاحقاً أن تشكل طريقة تفكيره في واحدة من أهم الإشكاليات التي قابلتها أوربا في الأعوام الأخيرة، الهجرة والمهاجرين، وبنوع خاص من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
بعث «بيرجوليو» ذات مرة من عام 2017 برسالة إلى اجتماع «تيد 2017» الملتئم في فانكوفر بكندا تحت عنوان «المستقبل هو أنت» عبر تسجيل مصور قال فيها «إن وجود كل واحد منا يرتبط بالآخرين»، فـ«الحياة ليست وقتاً يمضي بل وقت لقاء».
يومها تابع: (إن لقائي أو إصغائي لمعاناة مرضى ومهاجرين يواجهون صعوبات جمة في البحث عن مستقبل أفضل، وسجناء يحملون الجحيم في قلوبهم، وشباب لا يعملون، غالباً ما يطرح عليّ سؤالاً: لماذا هم وليس أنا؟) فقد ولدت أنا أيضاً في عائلة مهاجرة، والدي وأجدادي، كالعديد من الإيطاليين الآخرين، هاجروا إلى الأرجنتين وعرفوا مصير من يخسر كل شيء.
تخرج "بيرجوليو" كفني كيميائي، قبل أن يختار طريق الكهنوت وليدخل في المعهد الاكليريكي "فيلاديفوتو". وفي الحادي عشر من مارس 1958 التحق بالرهبنة اليسوعية، ودرس العلوم الإنسانية واللاهوتية في تشيلي، وفي 12 مارس 1960 أشهر نذوره الرهبانية، ليغدو بذلك عضواً رسمياً عاملاً في الرهبنة. عاد «بيرجوليو» لاحقاً إلى الأرجنتين ليتابع دراساته في الفلسفة واللاهوت في جامعة سان ماكسيمو دي مغيل، والتي حصل منها على درجة علمية في الفلسفة. وتذكر مصادر أخرى أنه تابع دراساته في الأدب وعلم النفس بين عامي (1964 – 1965) في جامعة «ديلا انماكيو لادا» في «سانتا في» وتخرج منها. من سنة 1964 ولغاية سنة 1965، علّم «بيرجوليو» الأدب وعلم النفس في كلية الحبل بلا دنس في «سانتافيه»، وبعد سنة علم المادتين عينهما في كلية المخلص في «بوينس آيرس».
سمي «بيرجوليو» كاهناً عن يد رئيس الأساقفة «رامون خوزية كاستيانو» عام 1969، غير أن مسيرته مع التحصيل العلمي لم تتوقف، فحصل عام 1986 على شهادة دكتوراه في اللاهوت في فرايبورغ – ألمانيا.
*كاتب مصري