لقد ظن كثير من المراقبين بأن روسيا وحدها تملك القدرة على فرض الحل في سوريا، لكن الوقائع أثبتت أن روسيا لن تتمكن من الحصول على وسام البطولة في الفصل الأخير من التراجيديا الفجائعية السورية، وأعتقد أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي معاً لن يسمحوا لها بأن تفوز بجائزتي الحرب والسلم معاً، وقد بدا من المتوقع حدوث تطورات دراماتيكية متسارعة تغير طبيعة المشهد السياسي وربما العسكري أيضاً.
لقد فوتت روسيا على نفسها فرصة الظهور بطلة للسلام ولو شكلياً لو أنها سمحت بتنفيذ القرار الدولي 2254، وواكبت مسار تطبيقه على الأرض، ولاسيما أنها هي من صاغت هذا القرار على الورق، لكنها محته على أرض الواقع، لقد رفضت روسيا مسيرة التفاوض في جنيف، بدعوى أن هيئة التفاوض العليا لاتمثل كل السوريين، وأنها تضع شروطاً قبل التفاوض، وقد خططت لتهميش عملية التفاوض في جنيف عبر فتح مسارات أخرى في آستانة وسوتشي، وتمكنت من فرض مصالحات في العديد من المناطق المشتعلة، وفرض تهجير قسري على المتمسكين بمطالب الشعب، وأصرت على إدخال ممثلين لمنصتي موسكو والقاهرة لهيئة التفاوض الجديدة، ولكنها تعثرت حين اكتشفت عدم قدرة الجميع على تلبية مطالبها بإنهاء الحديث عن تشكيل هيئة حكم انتقالية كما نص بيان جنيف وكل القرارات الدولية السابقة، ورغم استجابة هيئة التفاوض لما اتفق عليه الرئيسان ترامب وبوتين في فيتنام حول اختصار القضية السورية بالدعوة إلى وضع دستور جديد وخوض انتخابات، فقد أخفقت روسيا في تشكيل لجنة دستورية، لأن حكومة دمشق أصرت على أن تكون هي صاحبة السلطة على اللجنة المشكلة، وتم إرجاء البحث في هذا الحل الذي لايملك أصلاً قدرة النفاذ، في الوقت الذي برزت فيه قضية إدلب الملحة فضلاً عن قضية الكرد في الشمال الشرقي.
وقد بدت رؤية الولايات المتحدة غائمة ومضطربة طوال ثماني سنوات، يتراوح موقفها بين دعم السلطة السورية وروسيا عبر منع المعارضة من امتلاك أسلحة مضادة للطائرات، وترك الشعب السوري هدفاً مفتوحاً لصواريخها، وعبر التراخي في ملف استخدام النظام أسلحة كيماوية والرضوخ للفيتو الروسي، رغم الضربة الرمزية لمطار شعيرات، وبين دعم المعارضة ومدها بالسلاح حيناً وبالدعم المادي والمعنوي حيناً آخر، قبل ظهور حالة التخلي الأميركي المضطرب، وقد بدأت من أواخر عهد أوباما، وتفويضه لروسيا بإنهاء الصراع كما تريد وبما يناسب إيران، وعلى الرغم من أن ترامب بدا مؤيداً لحق الشعب السوري إلا أن الولايات المتحدة تركت لروسيا مرة أخرى حرية التصرف في مسارات آستانة وسوتشي فترة طويلة، وقد جاء تراخيها أمام نسف جوهر القرار 2254 بتجاوز تشكيل هيئة حكم انتقالية، شبه إقرار بقبول الحل العسكري الذي فرضته روسيا، مع القيام بإجراءات شكلية لاتغير شيئاً في المضمون.
لكن تغيراً جوهرياً طرأ على الفصل الأخير من مسار القضية حين تحرك فريق سياسي من الولايات المتحدة لضخ الحياة في مشروع «قانون سيزر»، سبقه موقف جيد من وزير الخارجية المصري حين أعلن أن قرار عودة سوريا للجامعة العربية (وكان قيد التداول) هو قرار يخص مجلس الجامعة، مؤكداً أن عدم إقدام حكومة دمشق على اتخاذ خطوات ضرورية لتفعيل القرار السياسي يجعل الأمر كما هو عليه وليس هناك أي تطور حول عودة سوريا لمقعدها في الجامعة، وأكد وزير الخارجية المصري على (أهمية تفعيل الحل السياسي واضطلاع حكومة دمشق بمسؤوليتها تجاه الشعب السوري) وفهمنا أن هناك تحولاً سريعاً ومفاجئاً في المسار، وكانت موافقة الكونجرس على «قانون سيزر» بداية فصل جديد قادم.
نريد حلاً نهائياً، عادلاً وشاملاً، ينهي هذه المأساة التي تتصاعد منذ ثماني سنوات، والحل موجود بيد الأمم المتحدة وحدها، حيث لابد من العودة إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي، تعود إليها صلاحيات الرئاسة كاملة لتشكل مجلساً عسكرياً يعيد هيكلة الجيش والقوات المسلحة وأجهزة الأمن، وعبر إشراك جميع قوى الشعب وشرائحه، تبدأ عملية إعداد دستور جديد للبلاد وتشكيل برلمان جديد، وحكومة وحدة وطنية غير طائفية، تعمل على استعادة سوريا لاستقلالها وإخراج كل القوى العسكرية الأجنبية من أرضها وأولها إيران، مع بدء إعادة الإعمار.