خلال فترة العام ونصف العام الماضية، سيطرت محكمة عليا ثانية في فنزويلا على قوانين الدولة من خلال معجزة الحوسبة السحابية، بينما يعيش قضاتها الـ33 في الولايات المتحدة وبنما وكولومبيا وتشيلي. ويعقدون جلسة كل 15 يوماً عبر تقنية الفيديو كونفرانس. وأحالت المحكمة، المعروفة باسم «محكمة العدل العليا لفنزويلا في المنفى»، قادة الجيش إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، وعاقبت أيضاً نيكولاس مادورو، الرجل الذي تعترف روسيا وكوبا والصين بأنه لا يزال رئيساً لفنزويلا، بالسجن 18 عاماً. وحتى الأسبوع الجاري، لم يُعر كثيرون انتباههم لهذه المحكمة، لدرجة أن حسابها على موقع «توتير» لم يتم توثيقه.
وبدأت تتضح أهمية هذه المحكمة مؤخراً فقط، ففي 11 يناير الجاري، حضّت «خوان جوايدو»، رئيس الجمعية الوطنية، على تولي فترة رئاسة انتقالية. ومع إقرار كثير من الدول الديمقراطية بشرعيته، هناك أيضاً زخم للاعتراف بمحكمة المنفى.
وللأخذ في الاعتبار إعلان الرابع من يناير مجموعة دول أميركا اللاتينية الـ12 إضافة إلى كندا، والمعروفة بمجموعة «ليما» التي تشكلت رداً على الأزمة الفنزويلية. فقد حضت مادورو على عدم الإدلاء باليمين الدستورية لتولي فترة رئاسية ثانية. وأكدت أيضاً شرعية المحكمة العليا في المنفى، مشيرة إلى أنها «تشكلت بموجب الدستور الفنزويلي».
وأخبرني «كارلوس فيكشيو»، الذي اعترفت به الولايات المتحدة، الأحد الماضي، ممثلاً دبلوماسياً لفنزويلا في واشنطن، في حوار صحفي أن الحكومة الانتقالية تعتبر هذه المحكمة التي تجتمع عبر «سكايب» هي المحكمة العليا للدولة. وأوضح أن المحكمة لعبت دوراً رئيسياً في توجيه الجمعية الوطنية خلال الأزمة، و«أكدت أن ما تفعله دستوري».
وقررت المحكمة بالفعل أن إعادة انتخاب مادورو في مايو الماضي غير شرعية. لكن التاسع من يناير كان نهاية فترته الأولى في السلطة، ففي هذا التاريخ تجرّد نيكولاس مادورو من شرعيته، بحسب «مارتين». وقررت المحكمة أن الجمعية الوطنية ينبغي أن تعتبر منصب الرئاسة في فنزويلا شاغراً، وهو شرط مسبق لتفعيل المادة 233 من الدستور الفنزويلي، التي تجعل من «جوايدو» رئيساً مؤقتاً. وتعود هذه المواجهة إلى عام 2015، عندما حصدت المعارضة بأغلبية الثلثين مقاعد الجمعية الوطنية. وبمجرد ظهور النتائج، بدأ مادورو وحزبه نزع صفة الشرعية عن المجلس التشريعي. وفي البداية، شكل الموالون له في الجمعية الوطنية المحكمة العليا لفنزويلا في جلسة غابت عنها المعارضة. وحكم القضاة المعينون بأن مادورو يمكنه إحياء الجمعية التأسيسية التي شُكلت أساساً لإعادة كتابة الدستور الفنزويلي في ظل سلفه هوغو تشافيز. وبعد تشكيل اللجنة التأسيسية، منحت المحكمة العليا التي شكلها النواب الموالون لمادورو هذه اللجنة صلاحيات الجمعية الوطنية (البرلمان) والتي تضمنت تعيين قضاة المحكمة العليا.
وفي عام 2017، قرر مادورو أن لديه صلاحيات إعادة كتابة الدستور (ويتناقض ذلك مع ما فعله تشافيز، الذي غير الدستور عبر استفتاء في 1999 وحاول فعل ذلك مردة أخرى في 2007، لكنه فشل).
ورداً على ذلك، عينت الجمعية الوطنية قضاتها في تلك المحكمة. وهدّد مادورو بالقبض على كثير منهم، لذا فرّ القضاة إلى خارج البلاد. ومنذ يوليو 2017، تعقد المحكمة في المنفى، إضافة إلى لجنتها التنفيذية، اجتماعاتها في الفضاء الإلكتروني.
والآن، توجه هذه المحكمة العليا التحول الديمقراطي في فنزويلا مستخدمةً الدستور المعدل في الأساس لتعزيز سلطة «تشافيز»؛ وهي مفارقة شديدة الغرابة!
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»