أميركيون كُثر تُركوا في الخلف، وعاشوا على الهامش بسبب اقتصاد اليوم المعولم الحديث، وهم غاضبون من ذلك – ويبدو أنهم على حق. كما أن أعداداً متزايدة من الناس يشعرون بأن نظامينا السياسي والاقتصادي مصمَّمان ضد مصالحهم. ولا غرو أن يشعروا بذلك!
وعلاوة على ذلك، فإن التقدم الذي حدث مؤخراً في نمو أجور أصحاب المداخيل المنخفضة والوسطى لا يعدو كونه نقطة مضيئة نادرة في ظلام عقود من ركود الأجور. وانخفاض البطالة يخفي وراءه حقيقة أن ملايين الرجال والنساء في ذروة سن العمل والعطاء غائبون عن القوة العاملة كلياً، كما أنه بات من المستبعد على نحو متزايد أن يكسب الكبار اليوم قدر ما كان يكسبه آباؤهم، وهم يتوقعون المصير نفسه لأبنائهم.
وعليه، فإن ثمة حاجة ملحة اليوم لحلول ملموسة للسياسات الاقتصادية، غير أن إفراغ الطبقة الوسطى الأميركية يتزامن مع تفكك وسطنا السياسي وإضعاف المؤسسات السياسية نفسها التي تدعم العملية الديمقراطية لصنع السياسات في بلدنا، ولا أدل على ذلك من الإغلاق الحكومي الطويل تاريخياً الذي شهدته بلادنا مؤخراً، ولهذا، يجب أن نغيّر الاتجاه.
والواقع أن تجاربنا في الخدمة العامة علمّتنا أن عملية صنع السياسات بين الأطراف التي تختلف بحدة ليست سهلة أبداً، ولكنها تصبح ممكنة من خلال التشبث ببعض مبادئ الحكامة الجيدة.
أولاً، في مقدمة تلك المبادئ التزام بالحقيقة يجب أن يكون قائماً على التحليل الصارم. ذلك أنه لا يمكن أن تكون ثمة عملية جيدة لصنع السياسات من دون تحديد مجموعة من الحقائق أولاً بشأن ما يحدث في العالم وبشأن الأشياء التي ما من المحتمل أن تحققها أي سياسة أو مقترح.
ثانياً، تقتضي عملية جيدة لصنع السياسات أن يثق المشرّعون في بعضهم بعضاً. وهذا يتطلب وقتاً، والقدرة على الاجتماع بثقة، والتزاماً متبادلاً بالأهداف المشتركة. وهذه بالضبط هي الطريقة التي تفاوض بها في 1997 الرئيسُ بيل كلينتون وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ترانت لوت (الجمهوري عن ولاية ميسيسيبي) ورئيس مجلس النواب نيوت جينجريتش (الجمهوري عن ولاية جورجيا) حول أول اتفاق ميزانية متوازن منذ عقود، وهي أيضاً الطريقة التي منحت بها أغلبية من الحزبين الكونجرس- الذي كان يسيطر عليه «الديمقراطيون» الرئيس جورج دبليو. بوش- الصلاحيات غير المسبوقة الضرورية لوقف الأزمة المالية وتجنب «ركود عظيم» آخر. وقد كان كل من بوش وسلفه أوباما يتحليان بالشجاعة لاتخاذ جملة من التدابير غير الشعبية للغاية من أجل إنقاذ اقتصادنا، مقاومين الضغط من قواعدهما لتغليب المصلحة الوطنية على السياسة الحزبية.
ثالثاً، يجب على زعمائنا أن يقبلوا القيام بتوافقات مبنية على المبادئ. والواقع أن إيجاد حل وسط ليس سهلاً أبداً، ولا أحد يرغب في خسارة المفاوضات، ولكن زعماءنا أخذوا اليوم يساوون بين التوافق والفشل المعنوي، مما يزيد من صعوبة الشروع في نقاش، ناهيك عن التوصل لاتفاق.
وإدراكاً منا لأهمية هذه المبادئ في عملية صنع سياسات فعالة وناجحة، أنشأنا في 2017 «مجموعة آسبن للاستراتيجية الاقتصادية»، وهي مجموعة ملتزمة بصنع السياسات المبنية على الأدلة، والخطاب المدني، وتبادل الأفكار بشأن السياسات مع من يتبنون وجهات نظر مختلفة.
وعلى مدى العام الماضي، جمعنا أفكاراً بشأن السياسات لمعالجة الحواجز التي تقف أمام الفرص الاقتصادية وحددنا مقترحات ملموسة تنال رضا كلا الحزبين. هذه المقترحات سيتم الإفراج عنها في 4 فبراير ضمن كتاب «توسيع الفرص الاقتصادية من أجل مزيد من الأميركيين: سياسات ثنائية الحزبية لزيادة العمل والأجور والمهارات» الذي أصدره «معهد آسبن».
وتقوم أفكار السياسات هذه على الأدلة، وليس الأيديولوجيا، وهي متنوعة وتشمل الاستثمارات الفدرالية الكبيرة في الكليات، واستراتيجيات تعزيز الصحة الاقتصادية لأسواق العمالة الريفية، والإصلاح العقلاني للتقسيم الإداري من أجل تشجيع السكن الرخيص، ودعم الأجور لتعويض كلفة الزيادات في الأحد الأدنى للأجور على المشغِّلين، من بين أشياء أخرى.
ونعتقد أن أفكاراً عملية مثل هذه تمثل نقطة بداية معقولة لصناع السياسات وزعماء المجتمع للعمل معا من أجل معالجة مشاكل بلدنا البنيوية العميقة. غير أنه يجب على زعمائنا أولاً الالتزام بمبادئ الحكامة الجيدة التي دعمت عملية صنع السياسات الديمقراطية لأجيال، لأن القيام بذلك مهم بالنسبة لصحة اقتصادنا مثلما هو مهم بالنسبة لقوة ديمقراطيتنا.
إرسكين باولز: رئيس موظفي البيت الأبيض سابقاً
مليسا كيرني: مديرة مجموعة آسبن للاستراتيجية الاقتصادية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»