وفقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية، فإن هناك أكثر من 50 مليون شخص حول العالم مصابون بالعتّه أو الخَرَف، وهو الرقم الذي يتوقع له أن يزداد خلال السنوات والعقود القادمة، وبمعدل 10 ملايين حالة جديدة كل عام.
وبخلاف الإعاقات البدنية والنفسية الشديدة المصاحبة، يتسبب العتّه في حوالي 1.9 مليون وفاة سنوياً. وفي بعض البلدان، مثل إنجلترا وويلز، يحتل حالياً عتَهُ الشيخوخة رأس قائمة أسباب الوفيات، متخطياً بذلك أمراض القلب والشرايين، والأمراض السرطانية، وبنسبة تقارب 12 في المئة من جميع الوفيات، أو 61 ألف حالة وفاة سنوياً، حسب مكتب الإحصائيات الوطنية ببريطانيا.
ومن بين جميع أنواع وأشكال العتّه، والذي هو في الحقيقة مجموعة أو طائفة من الأمراض، يشكل النوع المعروف باسم الزهايمر، ما بين 60 إلى 70 في المئة من الحالات، أو ما يقارب 30 مليون مريض حول العالم حالياً. ورغم هذا الانتشار الواسع للزهايمر، والتوقعات بزيادات هائلة في أعداد المصابين به خلال الأعوام القليلة القادمة، فإن أسبابه لا زالت لغزاً عجز الطب الحديث عن فك طلاسمه. فلم تنجح حتى الآن النظريات التي طرحت –وهي عديدة– في تفسير أسباب إصابة البعض دون الآخرين، اللهم إلا تلك التي تعتمد على عوامل جينية أو وراثية، والتي تفسر إصابة ما بين 1 إلى 5 في المئة فقط من الحالات، بينما يظل السواد الأعظم من الإصابات من دون سبب واضح أو تفسير مقنع.
وإن كانت النظرية التي تربط بين احتمالات الإصابة بالزهايمر وبين التهاب اللثة المزمن، وبالتحديد إصابتها بنوع معين من البكتيريا، قد تزايد الاهتمام بها مؤخراً، وتواترت الدراسات التي تدعم كونها أحد الأسباب الرئيسية خلف الإصابة بالزهايمر. نتائج آخر تلك الدراسات نشرت في العدد الأخير من إحدى الدوريات العلمية المرموقة، وهي دورية «Science Advances»، وقد اكتشف القائمون عليها وجود هذا النوع من البكتيريا في مخ مرضى الزهايمر. كما أثبتت الدراسات التي أجريت على الفئران، قدرةَ هذه البكتيريا على الانتقال من الفم إلى المخ، وإفرازها نوعاً خاصاً من السموم، يقتل الخلايا العصبية في المخ. كما يتسبب وجود هذه البكتيريا في المخ، في زيادة إنتاج نوع معين من البروتينات، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالزهايمر.
وبناءً على تلك النتائج، قام العلماء بتجربة أدوية جديدة على الفئران، تعمل على وقف إنتاج تلك البروتينات، مما نتج عنه وقف التدهور الحاصل في الوظائف العقلية لفئران التجارب. وتبع هذه الخطوة، تطوير أدوية وعقاقير طبية أخرى، ينوي العلماء إخضاعها للتجارب البشرية لاحقاً قبل نهاية العام الجاري، وهو ما قد يشكل إطاراً جديداً للتفكير والتعامل مع هذا المرض، وتغييراً جوهرياً في استراتيجية العلاج.
ويرتبط العته، بجميع أنواعه، ارتباطاً وثيقاً بالتقدم في العمر، والذي يعتبر أهم عوامل الخطر خلف الإصابة، إلا أن هذا لا يعني أنه ارتباط دائم أو حتمي، أي أن التقدم في العمر لا يفرض حتمية الإصابة بالعته، وهو الثابت والواضح من أن الغالبية العظمى من كبار السن غير مصابين بالعته، كما أن العته قد يصيب من لم يبلغوا سن الخامسة والستين بعد، ليعرف حينها بالعته المبكر، ويشكل 9 في المئة من مجمل الحالات.
وتظهِر بعض الدراسات والأبحاث، وجودَ علاقة بين تراجع القدرات العقلية وأسلوب أو نمط الحياة، وخصوصاً ذلك المرتبط ببعض الأمراض المعدية الأخرى. مثل الكسل وقلة النشاط البدني، والغذاء غير الصحي، والسمنة، واستخدام منتجات التبغ، وشرب الكحوليات، والإصابة بداء السكري، أو الإصابة بارتفاع ضغط الدم في منتصف العمر. وترتبط عوامل أخرى، نفسية واجتماعية، بزيادة احتمالات الإصابة بالعته، مثل الاكتئاب المزمن، وانخفاض مستوى التعليم، والعزلة الاجتماعية، والكسل الذهني، أي عدم استخدام القدرات العقلية بشكل يومي مكثف لتأدية وظائف ذهنية مركبة.
وبخلاف الثمن الإنساني الفادح للعته، والمتمثل في عشرات الملايين من الإعاقات الجسدية والعقلية، وملايين الوفيات السنوية، يحمل العته أيضاً في طياته ثمناً اقتصادياً واجتماعياً هائلاً، يتجسد في تكلفة الرعاية الطبية والاجتماعية للمصابين، وفي تكلفة الرعاية غير المباشرة من الأهل وباقي أفراد الأسرة. وبحسب بعض التقديرات، تبلغ هذه التكلفة من المنظور العالمي أكثر من 800 مليار دولار في العام الواحد، أو ما يعادل 1.1 في المئة من الناتج الاقتصادي الوطني. ويبلغ العبء المرضي للعته والزهايمر أقصاه في الدول الصناعية والغربية، نتيجة ارتفاع متوسط أو مؤمل العمر في تلك الدول، وهو الوضع الذي يتوقع له أن يتفاقم ويزداد سوءاً بمرور السنوات والعقود.