على غرار كثير من زيجات المصلحة التي لا حب فيها، فإن الارتباط بين الرئيس دونالد ترامب وجنرالاته انتهى نهاية فيها حزن ومرارة وتبادل للاتهامات. فبعد أن أعلن ترامب بشكل متهور عن سحب القوات من سوريا الشهر الماضي، استقال وزيرُ الدفاع جيم ماتيس، وهو جنرال متقاعد من قوات البحرية بأربع نجمات، في العشرين من ديسمبر، وكتب رسالة انتقد فيها الرئيسَ بسبب عدم «معاملة الحلفاء باحترام» وعدم «امتلاك رؤية واضحة بشأن كل من اللاعبين الضارين والمنافسين الاستراتيجيين». وكعادته، وبّخ ترامب ماتيس متسائلا: «ما الذي فعله من أجلي؟»، وقائلا إن «الرئيس أوباما طرده، وكذلك فعلتُ أيضاً».
كلا، إن ماتيس هو الذي استقال. والواقع أن ترامب أقال بالفعل كبيرَ موظفي البيت الأبيض جون كيلي، وهو جنرال سابق آخر من البحرية. لكن خلال حوار معه بعد إقالته، لم يُشِد كيلي بإنجازات رئيسه، وإنما بنجاحاته الخاصة في تلافي الكوارث، بما في ذلك منع ترامب من خرق القانون.
وقبل ذلك كان جنرالان آخران قد غادرا البيت الأبيض، هما مايكل فلين، وهو جنرال متقاعد في الجيش ذو ثلاث نجوم، أُعفي من مهامه كمستشار للأمن القومي بعد 24 يوماً فقط في هذا المنصب. وخلفه، «إتش. آر. ماكماستر»، وهو جنرال في الجيش ذو ثلاث نجوم، شغل منصبه لفترة تجاوزت سنة واحدة بقليل، وقد غادر منصبه وهو يلوم فشل ترامب في فرض «تكاليف كافية» ضد روسيا بسب اعتدائها.
لكن لماذا كان محكوماً على هذا الزواج بالفشل من البداية؟ دعونا نلقي نظرة.
إن الجنرالات يؤمنون بالدراسة المكثفة والاستعداد الجيد قبل القيام بشيء ما. وأفضلهم طلاب التاريخ والسياسة. وعلى سبيل المثال، فماتيس، الذي كان ينصح جنوده: «استخدم دماغك قبل أن تستخدم سلاحك»، اشتهر بأخذ مكتبة معه في كل مهمة. وبالمقابل لم يعرف عن ترامب ولعه بالقراءة، مفضِّلاً اتخاذ القرارات بناء على حدسه ومشاهدته لقناة «فوكس نيوز».
والجنرالات يُفترض أن يلتزموا بقانون شرف («فلين» أبان عن قصور في هذا الجانب بالطبع). فكل الأكاديميات العسكرية تقول لطلابها أثناء تدريبهم: «إنك لن تكذب، ولن تغش، ولن تسرق، ولن تتسامح مع من يفعلون ذلك». وعواقب خرق هذا القانون شديدة وقاسية. وعلى سبيل المثال، فإن بول ويلان، المسجون في روسيا الآن، كان جزاؤه الإعفاء من المارينز بسبب سوء السلوك لمحاولته سرقة أكثر من 10 آلاف دولار في العراق. وبالمقابل، يلتزم ترامب بقانون مختلف تماماً مؤداه: افعل كل ما تستطيع فعله ما دمت تستطيع الإفلات من العقاب.
والجنرالات ليسوا متحزبين. فهم يخدمون الرؤساءَ من كلا الحزبين ويجب أن يتحاشوا أي تدخل في السياسة. وبالمقابل، ترامب متعصب لحزبه لدرجة كبيرة، إذ يصف الديمقراطيين بالخونة الذين ينبغي أن يكونوا في السجن. والواقع أنه لا يسع المرء سوى أن يتخيل ما الذي كان يفكر فيه الجنرالات وهم يرون ترامب يتصرف خلال زيارته للجنود في العراق كما لو كانت تجمعاً انتخابياً أثناء الحملة. أو حين أرسل جنوداً إلى الحدود الأميركية المكسيكية قبيل الانتخابات النصفية ضمن مناورة سياسية. لاشك أن تسييس الجيش سيكون إحدى تركات ترامب.
والجنرالات مخلصون لحلفاء الولايات المتحدة. فقد أمضوا سنوات في تدريب القوات المسلحة الحليفة والقتال إلى جانبها. وهم ينظرون إلى الحلفاء بوصفهم «مضاعِفين للقوة» يقلِّصون عدد الأميركيين الذين يرسَلون إلى أماكن الخطر. هذا في حين ينظر ترامب إلى الحلفاء كمستغلِّين يستغلون سخاءنا وكرمنا، إذ قال العام الماضي: «إننا مثل حصالة يسرق منها الجميع». كما أن ترامب ليس لديه أي إحساس بالذنب بسبب التخلي عن حلفاء، أكانوا أكراد سوريا أو الأفغان.. عبر سحب القوات. وبالمقابل، ينظر الجنرالات إلى عمليات الانسحاب المبكر باعتبارها خيانةً لالتزامات مقدسة تجاه مَن جازفوا بأرواحهم في القتال إلى جانب قواتنا.
وبتفاخر كبير قال ترامب: «أعتقدُ أنني كنت سأكون جنرالا جيداً». والحال أنه ما كان لينجح في الوصول لرتبة جنرال، وذلك لأن بعض عاداته الشخصية تتعارض مع قيم الخدمة والتضحية ونكران الذات التي يشدد عليها الجيش. ويبدو أن كل ما يعرفه ترامب عن الجيش يأتي من أفلام مثل «باتون» و«بلادسبورت». ثم إن تعامله مع الجنرالات الحقيقيين كشف عن هوة غير قابلة للجسر بين القائد الأعلى للقوات ومن هم تحت إمرته. وقد حاول الجنرالاتُ تحصين القوات المسلحة، والعالم، من سياسات ومواقف ترامب، وهي فكرة تحرّكها نوايا حسنة، لكن محكوم عليها بالفشل، وذلك لأن ترامب لا يتحمل أن يقال له ما ينبغي عليه فعله من قبل من هم أكثر خبرة ومعرفة.

*كاتب ومحلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»