حليمة جيكاندي*

  يجلس عبد الملك أنور وهو يحتسي فنجان قهوة بفندق «ناوماد باليس» الشعبي بحي «إيستلي» في نيروبي، في الخامس عشر من يناير، عندما اتصل به صديق هاتفياً ليسأله ما إن كان قد سمع الخبر. فعلى بعد بعض كيلومترات، هاجم مقاتلون مرتبطون بتنظيم «الشباب» فندقاً ومجمعاً مكتبياً في حي «14 ريفرسايد» الراقي، وكانت حصيلة القتلى تتزايد بسرعة.
على الفور أحس أنور بالخوف. ذلك أنه عندما هاجم تنظيم «الشباب» الصومالي مركز «ويست غيت» التجاري في 2013، صبّ بعض الكينيين جام غضبهم بسرعة على الجالية الصومالية الكبيرة في البلاد. كما اجتاحت الأحياءَ الصوماليةَ حملةُ اعتقالات عنيفة من قبل الشرطة، وعانى الكثير من الشبان الصوماليين، مثل أنور الذي عاش في كينيا منذ أن كان طفلاً صغيراً، من التحرش والمضايقات في الشارع.
ولهذا أمسك أنور هاتفه هذه المرة وبدأ يكتب تغريدة على تويتر: «سيكون من الخطأ أخذ كل الصوماليين بجريرة تنظيم (الشباب)، أو تحميل الجالية الصومالية مسؤولية العنف العشوائي الذي قام به التنظيم». وأضاف يقول: «علينا أن نتصدى لهذا الخطاب قبل أن ينتشر».
لكن ما لم يكن يعلمه أنور هو أن حواراً مختلفاً كان يجري بالتوازي مع ذلك ويكتسب الزخم على وسائل التواصل الاجتماعي هذه المرة.
فقد كتب بريان نغارتيا، وهو كاتب وفنان كيني: «احموا الشعب الصومالي، والمسلمين بشكل عام، من التحرشات اللامعقولة التي قد يتسبب فيها هجوم ريفرسايد»، تغريدة جلبت له أكثر من 1200 إشارة إعجاب. هذا بينما كتب مستخدم آخر: «ينبغي ألا يخشى أي صومالي أو مسلم يعيش في كينيا التعرضَ لأذى منا نحن الكينيين.. أبداً.. إنني أحب إخواني وأخواتي جداً».
وبالنسبة لزعماء الجالية الصومالية، تشير رسائل التضامن هذه إلى أن كينيا أخذت تتغير، وإلى أن جهودهم الطويلة لجسر الانقسامات بين كينيا وجاليتها الصومالية أخذت تؤتي ثمارها. لكن الرسائل كانت تمثّل تذكيراً بأن طبيعة الإرهاب في شرق أفريقيا تتغير. ذلك أنه منذ 2013، امتد نفوذ تنظيم «الشباب» عميقاً داخل في كينيا وبلدان مجاورة أخرى، ولم يعد من المسلمات أن يكون أعضاء التنظيم من الشباب الصومالي فحسب.
لكن «ما الذي يجعل كينياً ينقلب على كينيين؟»، هكذا تساءل مستخدم آخر على تويتر بعد بضعة أيام على الهجوم، في رد فعله على الخبر الذي يفيد بأن اثنين على الأقل من المهاجمين كينيان. غير أنه بالنسبة لكثير من الكينيين الصوماليين، كان ذلك سؤالاً شغل تفكيرهم منذ سنوات.
بدأ الصوماليون القدوم إلى كينيا كمهاجرين ولاجئين في التسعينيات، خلال بداية حرب أهلية في الصومال. ومع تواصل الحرب، استقر كثير منهم في كينيا وبدؤوا حياة جديدة هناك، واليوم، هناك جالية كبيرة من الكينيين الصوماليين الذين لم يسبق لهم أبداً أن زاروا «وطنهم».
زكريا، شاب صومالي في الثلاثين يعمل مصمماً لمواقع الإنترنت، يتذكر الأيام التي كان يُنظر فيها إلى الصوماليين في كينيا كإرهابيين مفترضين. لقد كان طالباً يعيش في «إيستلي» عندما بدأ القمع. ويتذكر عندما كان يُنعت بالإرهابي عندما كان يمشي في الشوارع في وسط نيروبي إذ يقول: «عندما كان يراني شخص كيني لم يكن يرى صومالياً بل كان يرى (الشباب)».
ويقول زكريا، الذي ولد في كينيا، إنه لا يلوم الكينيين الآخرين بسبب أفعالهم. وبالمقابل، يشير إلى الإعلام، والحكومة الكينية، و«الشباب» الذين يحمّلهم مسؤولية زرع الشقاق بين المجموعات.
كثيراً ما يعمل زكريا من «مركز أوجاما الثقافي»، وهو مكتب صغير يطل على شوارع «إيستلي» المزدحمة التي تعج بالحركة. في الداخل، عشرات الكتب حول الثقافة والتاريخ الصوماليين صُفَّت على الرفوف، وأشخاص من أعمار وخلفيات مختلفة يعملون في صمت. المركز فتح أبوابه قبل شهر على هجوم «ويست فيت»، لكنه بات رمزاً للطرق التي حاول بها مسؤولون وزعماء الجالية جسر الهوة بين الكينيين والصوماليين في السنوات الأخيرة، وكسر العلاقة المتصوَّرة بين الثقافة الصومالية وتطرف بعض التنظيمات الإسلامية.
«المركز عمل خلال السنوات السبع الماضية على محاولة إفهام المجتمع الكيني الثقافةَ الصومالية»، يقول محمد حسن، عضو مجلس إدارة أوجاما. ويضيف حسن إنه لاحظ عودة الدفء إلى العلاقات بين الصوماليين والكينيين منذ افتتاح المركز، الذي يُعد ثمرة سنوات من جهود التواصل والورشات الثقافية والاجتماعات مع الزعماء الدينيين المحليين. لكن تحولا آخر ساهم في تغيير تصورات الكينيين تجاه الصوماليين والتطرف. ففي السنوات الأخيرة، كان كثير من المذنبين الذين يقفون وراء الهجمات الإرهابية كينيين، وليسوا صوماليين.
ويقول هارون معروف، وهو صحفي في «صوت أميركا» شارك في تأليف كتاب «داخل الشباب: التاريخ السري لحليف القاعدة الأقوى»: «لقد قام تنظيم (الشباب) بعملية تجنيد ضخمة خلال السنوات الخمس الأخيرة من كينيا وشرق أفريقيا». مشيراً إلى الكيفية التي استطاع بها «الشباب» على نحو متزايد استغلال التظلمات المحلية، مثل انعدام البنى التحتية، والبطالة، والنزاعات على الأراضي.. لتجنيد أشخاص يستطيعون تنفيذ هجمات على التراب الأجنبي.
ووفق تقارير إعلامية محلية، فإن اثنين على الأقل من المشتبه في مشاركتهم في الهجوم على الفندق، أتيا من كينيا، واعتنقا الإسلام حديثاً. وقد تم تأكيد مقتل 21 شخصاً على الأقل في هذا الهجوم، وجرح العشرات.



*صحفية متخصصة في شؤون شرق أفريقيا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»